إن الشيخ العجوز إذا حن إلى أبنائه وبناته وأحفاده وحفيداته فإنه يقوم بجمعهم في بيته حتى يسعد بلقائهم لزيادة الترابط الأسري، وتنمية روح الإخاء والمحبة. لكن تنتابك حالة من الاستغراب حينما يبدأ اللقاء حيث يقوم هذا الشيخ العجوز بجمع أجهزة الهاتف المحمول من كل صغير وكبير، ومن كل بنت وولد من أفراد أسرته حتى يستطيع أن يتحدث إليهم دون أن يكونوا منشغلين عنه بما في أيديهم من أجهزة، وحتى يعطيهم دروسا في حياتهم بحكم خبرته الحياتية، ويعيد إليهم تفاصيل عادات وتقاليد الجيل الذي افتقدنا الكثير من عاداته العربية الأصيلة، وليطمئن عليهم في مستقبلهم، ولا يجد هذا الشيخ غير «جمع الجوالات قبل الدخول لمجلس العائلة» حتى يضمن انتباههم واستماعهم إليه دون غفلة أو ذهن مشتت. تلك صورة، وصورة أخرى تتكرر يوميا وتكشف لنا مدى خطورة سيطرة هذه الأجهزة على عقول أبنائنا، فالأب عندما يدخل إلى غرفة أبنائه وبناته يجد البعض منهم تحت غطاء السرير منهمكا وهو في جنح الظلام وجهاز الهاتف الجوال بيده يشع نوره، وهو ما ينبه بأن الابن متواصل على مواقع التواصل الاجتماعي، وهذا الموقف يتكرر مع الأب حتى وقت متأخر من الليل، وهو لا يعلم في أي اتجاه يمضي ابنه، وماذا يشاهد أو يتابع، أهو خير أم عكس ذلك.. الله أعلم. إن التطور التكنولوجي الحديث أصبح متغلغلا في كل مجتمعات العالم، حتى في مجتمعنا بكل جوانبه، ومن أهم الأشياء التي يظهر فيها التقدم التكنولوجي واضحا مواقع التواصل الاجتماعي. حيث يعتبر الواتس أب برنامجا عالميا واسع الانتشار، ولهذا فهو سلاح ذو حدين؛ له جوانب إيجابية وأخرى سلبية، وكل يوم يتزايد عدد مستخدميه خاصة بعد دخوله التكنولوجيا في حياتنا والانفتاح على العالم الآخر.. هذا البرنامج الصغير الذي دخل في حياتنا ظهر بجانبه الإيجابي حيث يتيح لنا أن نتواصل مع من نحب، ويكون دائما موجودا معنا في كل لحظة، ولكن لا يعني هذا ترك كل حياتنا والتركيز عليه بشكل كامل، فهنا تبدأ المشكلة، خاصة في مجتمعنا العربي، بعكس المجتمع الأجنبي، حيث يكون استخدامه بشكل صحيح. ما من فرد في العصر الذي نعيشه إلا ولديه حساب على مواقع التواصل الاجتماعي، منها ما يقوم باستخدامه للمحادثات الشخصية والتواصل مع الأصدقاء والأقارب، ومنها من يستخدمه من أجل إنهاء الأعمال. وحقيقة إن كل هذه التطورات التي تبرز وتظهر مع تطور الزمن ذات طابع إيجابي وآخر سلبي، ويتضح الجانب السلبي فيما يقترفه بعض الناس من أفعال على تلك التقنيات الحديثة. الواتس أب والبلاك بيري في بعض الأحيان تجعل من التواصل الذي اعتدنا عليه نحن في المجتمعات العربية أمرا أصبح على غير ما كان عليه من قبل. أفقدت تلك الوسائل معظم مجتمعات العالم الكثير من العادات والتقاليد حيث إن تلك الوسائل جعلت من العالم قرية صغيرة، وهذا الجانب الإيجابي لها، لكن أيضا أفقدت الطباع القديمة والأصيلة لكثير من المجتمعات. تلك الظاهرة أثرت كثيرا على جميع أضلاع المجتمع، فتجد الكل متأثرا في أغلب جوانب حياته بسبب الانشغال بتلك الوسائل. أخيرا أحب أن أنوه إلى أن نأخذ في الاعتبار أن تلك الوسائل وسائل تقدم، ودليل استثمار عقلي من أجل تحسين سبل الحياة، لكن لا بد لها ألا تفقدنا عاداتنا وتقاليدنا وأبنائنا وبناتنا، وما علينا من مهام، وأيضا ألا تكون مجالا للتأثير السلبي في حق آبائنا فتفقدنا حق مراقبة أفعالهم للاطمئنان عليهم، والتأكد أن الواتس أب والبلاك بيري في تربية أبنائنا وسيلة تقدمية ذات طابع إيجابي.