نصف قرن من الزمان ونحن نرى معجزة إلهية بيننا تمشي على الأرض؛ أتذكر يوم أن حكى لي أبي «أسعد نجدي» وهو عائد من إحدى الصلوات التي رفع لها الآذان في المسجد النبوي الشريف؛ كيف أن الطبيب المصري جارنا؛ أخبره أن أمي تعاني من مرض وعطب في صمامين بالقلب؛ وليس هناك أمل في الشفاء -على حدّ وصفه-.! بعدها توالى عرضها على أطباء من الشرق والغرب؛ وكلهم يؤكدون أنه عيب في الصمامات نادر ولدت به. كنا نسمع ذلك منهم ونعجب من تعجبهم؛ كيف أنها تتحمّل ما ينتج من آلام وأوجاع؛ ورغم ذلك تعيش بصورة طبيعية تقوم على رعاية أبناء أعطاها الله منهم ستة؛ ولا تشتكي ولا تتألم؛ بل ولا تفارقها الابتسامة.. لقد كانت أنموذجاً ومثلاً حياً للصبر والاحتساب. تعجبت حين مرّ ابني علاء بباب بيتها؛ بعد أيام من وفاتها؛ وهو يترك رسالة؛ سألته عنها؛ فقال إنها لجدتي عزيزة؛ فتحتها ظناً أن بها شيئا مطلوبا منها؛ فإذا سطورها تقول: يا من غطى الثرى وجهاً كنا نستضيء بضياه.. وجسدا كنا نحتمي بحماه. يا من فضلتنا على ذاتها؛ وآثرتنا على نفسها. جدتي أمي من بعد أمي؛ أم الخير والطيبة؛ ومنبع السكينة والحنان. هل نرثيك أم نرثي أنفسنا فيك؟! أبدلك الله داراً خيراً من دارنا، وجعل قبرك روضة من رياض الجنة. (من حفيدك علاء نجدي). طويت الرسالة وحادثت نفسي: أمي الحبيبة.. عندما انتظر شمس الفرح بعدك؛ فلا تشرق كيف أنساك؟! عندما تمتلئ عيناي بالدموع فلا أبكي إلا شوقاً إليك؛ كيف لا أذكرك؟! عندما يتغيب عني جميع الناس فلا أشعر إلا بغيابك؛ كيف لا أشتاق إليك؟! رحم الله أمي بنت عبدالقادر شولاق وأمها الفاضلة آسيا. عبدالرزاق أسعد نجدي - جدة