رأينا مذهب الكوفيين في نحو (عيشة راضية) و(ماء دافق) و(هم ناصب)، و(ليل نائم) وقولهم : إنها من باب فاعل بمعنى مفعول.. فما رأي البصريين؟ المذهب الثاني: وهو مذهب كثير من البصريين، وعلى رأسهم الخليل وسيبويه، وهم ينكرون (باب فاعل بمعنى مفعول) ويرون أن ما جاء في ظاهره أنه منه ينبغي أن يحمل على باب النسب الشاذ، أي إنه فاعلٌ بمعنى ذي كذا، مثلُ لابِنٍ وتامِرٍ، فقولهم: هَمٌّ ناصِبٌ: ذو نَصَب ، ومنه في أحد القولَيْن: «عِيشَةٌ رَاضِيَةٌ، ومَاءٌ دَافِقٌ» أي: ذاتُ رِضاً، وذو دَفْقٍ، وكذلك قوله تعالى (لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) أي لا ذا عصمة. قال سيبويه في باب الإضافة (2 /382): ((وتقول لمن كان شيءٌ من هذه الأشياء صنعته: لبَّان، وتمارٌ، ونبَّال... وتقول: مكانٌ آهلٌ، أي: ذو أهلٍ. وقال ذو الرمَّة: إلى عَطَنٍ رَحْبِ المَبَاءةِ آهِلِ وقال الخليل: إنَّما قالوا: عيشةٌ راضيةٌ، وطاعمٌ وكاسٍ على ذا، أي: ذات رضاً وذو كسوة وطعامٍ، وقالوا: ناعلٌ لذي النَّعا، وقال الشاعر: كِليني لهمٍّ يا أميمةَ ناصِبِ وليلٍ أقاسيهِ بطيءِ الكواكبِ أي: لهمٍّ ذي نَصَبٍ)) واستنكر أبو جعفر النحاس في إعراب القرآن على الفراء في توجيهه (ماء دافق) (إعراب القرآن 5 /124) بمعنى مدفوق، وقال: فاعل بمعنى مفعول فيه بطلان البيان، ولا يصح ولا ينقاس، ولو جاز هذا لجاز ضارب بمعنى مضروب، والقول عند البصريين أنه على النسب، كما قال الشاعر: وليس بذي سيفٍ فيقتلني به وليس بذي رمحٍ وليس بنبّالِ وقال الزجاج: معناه من ماء ذي دفق، وكذلك سرّ كاتم، ونَقل عنه الواحديّ في البسيط (23 / 409) أن هذا الذي قاله الزجاج هو قول جميع النحويين.. قلت: هذا تعميم لا يصح، ينافيه المنقول عن الكوفيين وغيرهم، ولعله يريد البصريين. لكن ابن جني يفرق بين المعنى والصنعة الصرفية، قال في (الخصائص 1/ 152، 153): ((فأما تفسير أهل اللغة أن استاف القومُ في معنى تسايفوا؛ فتفسير على المعنى، كعادتهم في أمثال ذلك، ألا تراهم قالوا في قول الله عز وجل: (مِن ماءٍ دافِقٍ) : إنه بمعنى مدفوق, فهذا -لعمري- معناه، غير أن طريق الصنعة فيه أنّه ذو دفق كما حكاه الأصمعي عنهم من قولهم: ناقة ضارب إذا ضربت. وتفسيره أنها ذات ضرب أي ضربت. وكذلك قوله تعالى (لا عاصِمَ اليَومَ مِن أَمْرِ اللَّهِ) أي لا ذا عصمة، وذو العصمة يكون مفعولا، كما يكون فاعلا فمن هنا قيل: إن معناه: لا معصوم)) ومع الاختلاف بين الكوفيين والبصريين في تأويل ما جاء من هذا الاستعمال اللغويّ إلا أنّه غير منكر، ولكن أكثرهم يحفظه ولا يقيس عليه، وربما قاسه بعض المعاصرين، كالدكتور أحمد الحوفي الذي أجاز القياس عليه، وصوّب على أساسه بعض ما شاع منه على ألسنة الناس والكُتّاب في اللغة المعاصرة. (للحديث صلة.. وللقول خاتمة في المقالة القادمة، آتي فيها على الرأي الذي أراه راجحا، إن شاء الله) الجامعة الإسلامية - المدينةالمنورة تويتر/ sa2626sa@