تعيش المدينة المنوَّرة هذا العام مناسبة لها قيمتها الثَّقافيَّة والحضاريَّة والفكريَّة، وذلك بوصفها عاصمة للثَّقافة الإسلاميَّة، وهي في الحقيقة المحضن الأول للفكر الإسلامي والمعرفة المرتبطة بدعوة سيد المرسلين صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين، وهي عاصمة الإسلام الأولى التي شع منها نور الإيمان إلى شتَّى أصقاع المعمورة. ولقد كان للمدينة حضور في ذاكرة التَّاريخ، انغمس في جذورها، وأعماقها، وتجلِّياتها في العصر الإسلامي، فقد شرَّفها الله تعالى بهجرة الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم. وصحابته الأبرار رضوان الله تعالى عليهم أجمعين، ومن على ثراها الطَّاهر ارتسمت أعظم الملامح التي سطَّرها التَّاريخ، وبدأت الرحلة الجديدة لخير أُمَّة أخرجت للناس، ليضيئوا آفاق المعمورة بساطع النُّور التي حملته الدَّعوة المباركة. وبهذه الصُّورة كان ذلك أدعى لأن تسكن المدينة المنوَّرة الشِّعر، فتشرق فيه، ويظل الشُّعراء يتفيَّأون ظلالها، وذلك حين يبثُّون أشواقهم، ويسكبون لواعجهم، ويجعلونها وجودًا شاخصًا في أشعارهم، يبادلونه المشاعر والعواطف، والأحاسيس. ومن ذلك ما يرد في شعر عبيد بن عبدالله مدني الذي يتحدَّث عن قداسة المكان، فهي مأرز الإيمان، وبها مثوى الرَّسول الكريم صلَّى الله عليه وسَّلم، ومسجده الشَّريف، والرَّوضة الشَّريفة، يقول: القَدَاسَاتُ والهُدَى والجَلَالُ والعِنَايَاتُ والسَّنا والجَمَالُ والطَّهَارَاتُ والمُنَى والتَّجلِّي والشُّعَاعَاتُ والجدى والكمالُ كُلُّها هَا هُنَا وإليْهَا ترحلُ النَّفْسُ والحِجَى والسُّؤالُ تَتَرامَى على ثَرَاهَا وتَرْجُو في حِمَاهَا ألَّا يَخِيبَ المآلُ «رَوْضَةٌ» دونها ذَوَى كُلُّ رَوْضٍ وَمَعِينٌ ومَا سواها آلُ تَطمئنُّ النُّفُوسُ فيها وتصفُو ويسودُ القَبُولُ والإِقْبَالُ هذه الرَّوضة الشَّريفة التي هي من رياض الجنَّة سلبت ألباب الشُّعراء، وتاقوا إلى السُّجود بها، والابتهال إلى المولى -جلَّ وعلا- بالدعاء، يقول د.محمد العيد الخطراوي -رحمه الله-: هَذِهِ الرَّوْضَةُ الشَّرِيفَةُ فَاسْجُدْ في حِمَاهَا للخَالِقِ المَعْبُودِ وتَعَطَّرْ بَأَرْضِهَا، فَثَرَاهَا مُنْيَةُ النَّفْسِ للفُؤَادِ العَمِيدِ وتَوَجَّهْ للهِ، واحْمَدْهُ، وامْثُلْ بَيْنَ أَرْجَائِهَا مُثَولَ العَبِيدِ هَا هُنَا كَانَ لِلرَّسُولِ رُكُوعٌ وَهُنَا كَانَ في جَلَالِ السُّجُودِ بَيْنَ قَبْرِي وَمِنْبَري لَرِيَاضٌ مِنْ رِيَاضِ الجِنَانِ في ذَا الوُجُودِ فَعَلَى الِمنْبَرِ الكَرِيمِ بَقَايا مِنْ طُيُوبٍ تَمُوجُ بالتَّوحِيدِ ويستلهم الشَّاعر في معناه في المقطوعة الحديث الشَّريف الذي ورد عن المصطفى صلَّى الله عليه وسلَّم في قوله: «ما بين بيتي ومنبري روضةٌ من رياض الجنَّة». وهو ما عناه محمد هاشم رشيد -رحمه الله- في قصيدته «إنَّها طيبة» يقول: وَهُنَا في رِحَابِ مَسْجِدِ طَهَ تَتَلاقَى مَشَاعِرُ الوُجْدَانِ وَتَفِيضُ السَّاحَاتُ أَنْهَارَ نُورٍ قُدُسيِّ الصَّدَى، نَدِيِّ الأَذَانِ إِنَّهَا (رَوْضَةُ) الحَبِيبِ تَرَاءَتْ كَوْكَبًا في مَدَارِهِ العُلْوِيِّ وللحديث بقية إن شاء الله.. * الجامعة الإسلامية - المدينة المنوَّرة Mh1111m@ : تويتر [email protected]