الشِّعر صورة الفكر وترجمان الوجدان، وميدان الخيال الذي يتسابق فيه الشُّعراء إلى رسم لوحاتهم، واستحضار الصُّور الفَنِّية التي تُقدِّم الفكرة المجرَّدة في حُلَّة قشيبة، صاغتها يد رسَّام ماهر أو أديب مبدع. وقد كان الشُّعراء في عهد النُّبوَّة والخلفاء الرَّاشدين يترجمون مشاعرهم بإحساس تغلب عليه العاطفة الدِّينيَّة، وذلك حين انشرحت صدورهم للدَّعوة الجديدة، فنبذوا ما كان مألوفاَ في الزَّمن الماضي لدى الجاهليين من الخرافات والمعتقدات الباطلة التي كان الجاهليون يقدِّسونها، ويعبدونها من دون الله، ويظهر ذلك في شعر الصَّحابي الجليل شدَّاد بن عَارِض الجُشَمي رضي الله عنه، الذي عبَّر عن بطلان تلك المعتقدات، وذلك حين هُدِّمت اللَّات وحُرِّقت، فقال: لا تَنْصُرَوا اللَّات إنَّ الله مُهْلِكُهَا وَكَيفَ يُنْصَرُ مَنْ هُوَ لَيْسَ يَنْتَصرُ؟ إنَّ التي حُرِّقَتْ بالنَّارِ واشْتَعَلَتْ ولم يُقَاتَلْ لَدَى أَحْجَارِها هَدَرُ وشاعر آخر خالج الإيمان قلبه فأيقن أن تلك الأصنام جمادات لا تنفع ولا تضر فاتَّجه إلى الانقياد إلى دعوة نبي الهدى والرَّحمة صلَّى الله عليه وسلَّم، والإيمان بفاطر السَّماوات والأرض، ذلكم هو الشَّاعر ذُبَاب بن الحارث السَّعدي رضي الله عنه، الذي حطم الصَّنم "فراض" وأقبل على النبي صلى الله عليه وسلم مؤمناً برسالته، يقول: تَبِعْتُ رَسُولَ اللهِ إذ جاء بالهدى وخَلّفْتُ فَرّاضاً بدارِ هَوَانِ شدَدْتُ عليه شدّة فتركتُه كأن لم يكن ، والدهر ذو حدثانِ فلمّا رأيتُ اللهَ أظهرَ دينه أجبتُ رَسُول اللهِ حينَ دعانيِ وشاعر آخر من بني سُليم، وهو العبَّاس بن مرداس السُّلمي رضي الله عنه أسلم قبل فتح مكَّة، وشارك مع النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم في بعض المعارك مع قومه من بني سليم ،حيث عبَّر في أشعاره الكثيرة التي ناصرت الدَّعوة عن استجابته لما جاء به المصطفى صلى الله عليه وسلم من الخير والهدى، ونبذه لما كان عليه الجاهليون من خرافات وطقوس باطلة، فقال: لَعَمْرُكَ إنِّي يومَ أَجْعَلُ جاهلاً ضِماراً لربِّ العالمينَ مُشَارِكَا و تَرْكِي رَسُولَ اللهِ والأَوْسَ حولَهُ أولئِكَ أَنْصَارٌ له ما أُولئكَ كتاركِ سَهْلَ الأرضِ و الحَزْنَ يبتغي ليَسْلُكَ في دَعْث الأُمور المَسَالِكَا فآمَنْتُ باللهِ الَّذي أَنا عَبْدُهُ وخَالَفْتُ من أَمْسَى يريد المَهَالِكَا وَوَجَّهْتُ وَجْهِي نحو مكَّةَ قَاصداً أُبَايعْ نبيَّ الأكرمينَ المُبَارِكَا نَبيٌّ أَتَانَا بعدَ عيسى بِنَاطقٍ مِنَ الحقِّ فيه الفضلُ فيه كَذَلِكَا فهذه الأبيات تُبرز تلك الرُّوح التي استشعرت عظمة الرسَّالة الخالدة التي جاء بها المصطفى صلى الله عليه وسلم بما تحمله من إيمان بالله عزَّ وجلَّ وإفراده بالعبوديَّة وحده دون سواه، وهو جانب مؤثِّر برز بوضوح في شعر شعراء الصحابة رضوان الله تعالى عليهم. الجامعة الإسلامية – المدينة المنوَّرة Mh1111m@ : تويتر [email protected]