لا شك أن التباين في التضاريس والمناخ والثراء التراثي جعل الباحة من أكثر المناطق المهيأة للاستثمار السياحي، ولهذا كانت عناية الإنسان في هذه المنطقة بتراثه كبيرة، وسعيه للحفاظ عليها منظورًا في الجهود التي يقوم بها بعض أفراد هذه المنطقة، مدفوعين إلى تأسيس المتاحف الخاصة كلما تهيأت لهم الظروف.. ويعد متحف العمدة الواقع وسط مدينة الباحة من المتاحف التي تضم بين جنباتها آلاف القطع الأثرية التي تحفظ ذاكرة الحضارة في هذه المنطقة، هذا المتحف أنشأه العم سعيد بن محمد العمدة، البالغ من العمر ثمانين عامًا، فعن نشأة هذا المتحف والظروف التي مر بها وما يكتنزه من محتويات يقول العمدة: لا بد من الإشارة أولاً إلى أن متحفي يعد أول متحف ينشأ بالباحة، وقد واتتني فكرة إنشائه منذ أكثر من 40 عامًا، بسبب عشقي للتراث، ومضيت في فكرتي فجمعت أكثر من عشرين ألف قطعة أثرية نادرة ومتنوعة، ومن بينها الأدوات التي كان يستخدمها أجدادنا القدماء لتسيير أمور حياتهم اليومية من ملبوسات وأوانٍ منزلية خشبية ونحاسية وحجرية، وحلي وأسلحة بيضاء ونارية، بجانب أدوات الحرث والسقي وطحن الحبوب ومنسوجات وعملات وكتب ومصاحف مخطوطة. وغيرها من الأدوات والمستلزمات القديمة، التي يعود تاريخ بعضها إلى أكثر من 400 عام، ومن ضمنها سيوف حميرية ودمشقية، وقطع نادرة من الجنابي والقديميات، وكذلك الحلي القديمة التي كانت تلبسها المرأة، وقد اقتنينها بواسطة الشراء، حيث يعرض عليَّ بعض ما ورثوه عن آبائهم، فأشتريه إن رغبت فيه، وبعضها أسمع عنها وعن ندرتها فانتقل إلى أصحابها وأطلبها منهم، وبعضها وجدته في أسواق المنطقة المختلفة باختلاف أيامها في السراة وتهامة حاضرة وبادية، لكن في الوقت الحالي لا أستطيع التنقل، حيث أصبحت لا أستطيع القيام والمشي لفترات طويلة، مما جعلني ألزم متحفي. ويخصص العمدة حديثه عن العروس وما تلبسه في زفافها وطقوس الزواج قديمًا قائلاً: كانت العروس في السابق تشترط حزامًا وشبكة وخاتمًا وربما طلبت حجولاً تلبسها في أقدامها وتتفاخر بلبسها أمام قريناتها، إضافة إلى المسك التي تلبس في الساعدين وقلادة الظفار والمفرد المصنوعتين من الأحجار الكريمة، وكانوا يشترطون أن تكسي العريس عمات العروس وأقاربها والشاعرات على عددهن كل واحدة بمصنف وهو من القماش الفاخر في حينه، وكان الزواج يستمر ثلاثة أيام. ورغم هذا الثراء التراثي إلا أن العمدة يخشى أن يذهب ما اضطره لدفع قيمة المبنى المستأجر لمتحفه حيث يقول: الإيجار السنوي لهذا المتحف يكلفني سنويًا أكثر من 50 ألف ريال، وليس لدي دخل أسدد منه هذا المبلغ الكبير، لذلك أكون مضطرًا لبيع قطع أثرية ثمينة، مستشعرًا ألمًا شديدًا وحسرة على فقدها، كما اضطررت لفرض رسوم مقدارها ريالين على زوار المعرض، وقد أجبرني على ذلك شباب اليوم، حيث يدخل الواحد منهم ويمسك بكل تحفة أو غرض ويحمله من مكانه وقد يسقط من يده لثقله أو قدمه، وقد خسرت قطعًا فخارية وحجرية نادرة جدًا هشمها بعض الشباب بفضولهم وكثرة تحريكهم لها بدون وعي وانتباه، فلا أستطيع أن أغرمهم قيمتها ولا أصبر على فقد تلك القطع بتلك الطريقة. وقد بحثت عن حلول لتوفير مكان خاص لتشييد متحفي عليه، حيث تقدمت لأمانة المنطقة بغرض توفير قطعة أرض أكثر من مرة ولم أجد تجاوبًا، غيرأنهم وعدوني مؤخرًا بقطعة أرض أشاروا إلى أنها ستكون إما على طريق العقيق أو على طريق الباحةالطائف، مما جعلني أتكاسل عن مواصلة طلبي، علمًا بأن هناك توجيهات من صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان رئيس الهيئة العامة للسياحة لأمانات المناطق لتهيئة أماكن مناسبة لأصحاب المتاحف لينشئوا عليها متاحفهم الخاصة، وأنا لدي استعداد لإنشاء متحف يكون معلمًا رائعًا من معالم المنطقة على نمطها المعماري متى ما حصلت على قطعة الأرض المناسبة.