تطرقت أول مرة إلى سيرة الشيخ رائد صلاح "أسد القدس" في كتابي "البعد الإسلامي في الحركة الوطنية الفلسطينية من ثورة البراق حتى الانتفاضة" الصادر عام 1990 في جدة، والذي أهديته إلى شهداء فلسطين من أطفال الحجارة، وظل إعجابي يزداد بهذا المناضل الفلسطيني الجسور عامًا بعد عام، وهو يتصدى لجنود الاحتلال الغاصبين دفاعًا عن الأقصى دون وجل، تعرض خلالها للاعتقال والاغتيال والتهديد عدة مرات لدوره في كشف جرائم الاحتلال وقطعان المستوطنين بحق القدس والمسجد الأقصى المبارك، خاصة في الآونة الأخيرة عندما اعتقل وحوكم في بريطانيا أكثر من مرة تحت وطأة الضغط والتحريض الإسرائيلي بسبب دعوته لنصرة الأقصى والتنديد بممارسات المحتل الغاصب فيها. أهمية هذا الشيخ المناضل الذي يتبنى قضية القدس منذ نعومة أظفاره أنه ينطلق في حركته تلك من الأرض الفلسطينيةالمحتلة عام 1948 مبددًا المقولة بأن هؤلاء الفلسطينيين الذين يحملون الهوية الإسرائيلية نسوا هويتهم الأصلية، ولم يعودوا يكترثون بمصير القدس والأقصى، وبالتراث العربي الإسلامي العريق لهذه المدينة العربية الكنعانية التي يعود تاريخها إلى أكثر من خمسة آلاف عام. لكن ربما أن ما هو أهم من ذلك أن هذا المناضل العتيد الذي يحمل قضية القدس شعلة وهمًا وحلمًا ولا تكاد تفارقه في ليله ونهاره وحله وترحاله لا ينتمي إلى فتح أو حماس أو الجهاد، وإنما إلى القدس، وطالما ناديت بأن تحتذي حركة حماس حذوه في جعل القدس - وليس الحكم والتربع على كراسيه- شغلها الشاغل وهمها الأكبر. جاء هذا الشيخ الجليل ليثبت بالقول والفعل والالتزام أن عرب 48 باقون على عهدهم مخلصون لقضيتهم، لا سيما بعد ترؤسه الحركة الإسلامية داخل فلسطين 48 عام 1996، وتقلُّده مهمة رئيس مؤسسة الأقصى لإعمار المقدسات الإسلامية، وَمهمَّة رئيس مؤسسة الإغاثة الإنسانية في الداخل الفلسطيني، إلى جانب مبادراته العديدة لإعمار الكثير من المشروعات في المسجد الأقصى بالتعاون مع إدارة الأوقاف الإسلامية في القدس ولجنة إعمار المسجد الأقصى المبارك وقبة الصخرة المُشرَّفة. كم كنت سعيدًا قبل بضع سنوات عندما علمت أن "أسد القدس" بصدد إلقاء محاضرة في جامعة الملك عبدالعزيز بجدة، فكنت أول الحاضرين لأحظى بمقابلته، والاستماع إلى مناضل فلسطيني أصيل كرّس حياته ووقته وجهده من أجل الانتصار لقضية القدس والأقصى. لكن سعادتي قبل بضعة أيام كانت أكبر عندما قرأت خبر إعلان الأمانة العامة لجائزة الملك فيصل العالمية في دورتها الخامسة والثلاثين، عن فوز الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني بجائزة الملك فيصل العالمية في خدمة الإسلام، فهذا التكريم للشيخ هو أيضًا تكريم لقضية القدس ولأهالي القدس المرابطين الذين يلتفون حول أقصاهم كلما تعرض أولى القبلتين وثالث الحرمين الشريفين لمحاولات التدنيس والهدم والعدوان التفاف السوار بالمعصم. الجائزة من هذا المنطلق لابد وأن تمثل دعمًا كبيرًا لجهود الشيخ صلاح والمقدسيين عمومًا في دفاعهم عن المقدسات الإسلامية في المدينة التي وصفها سمو ولي العهد الأمير سلمان بن عبدالعزيز ذات مرة بأنها الشقيق الثالث لمكة المكرمةوالمدينةالمنورة، وتشجيعًا لمواصلة الجهود المخلصة للصمود في وجه المخطط الصهيوني الخبيث الرامي إلى هدم المسجد الأقصى المبارك لبناء الهيكل الثالث المزعوم على أنقاضه والإجهاز على عروبة القدس.