منهم لله جميعًا أولئك الذين ملأوا مصر بالرعب والخوف من يوم الخامس والعشرين، بدلًا من أن يملؤوها بالفل والورد والياسمين! منهم لله جميعًا أولئك الذين يُصرّون على الربط بين اليوم الذي هو أشبه بالعيد بقنابل التهديد والوعيد! عشرة أيام فقط تفصل مصر عن الاحتفال بهذا اليوم السعيد دون أن نرى ملمحًا إيجابيًا واحدًا يجسد التعبير عن الاحترام للشهيد! كل ما سمعناه أو رأيناه هو البروفة الوهمية أو الحقيقية للسيارة "الجيب" التي نزل منها الملثمون للحرق أمام قصر الاتحادية! كل ما رأيناه أو سمعناه أن نفرًا سيذهبون للميدان دون رجوع إلا بإسقاطه أو أسقاطها! وأن آخرين سيذهبون للدفاع عنه وعنها.. ومع سعار التصريحات وسيل الكلام لم نعد نعرف على وجه الدقة من هو الخائف حقًا على الميدان ومن هو الجبان! من هانت عليه مصر ومن أدمن الهوان؟! في السابق كانت المطربة الخصبة "عايدة الأيوبي" تغني للميدان "كنت فين من زمان"، لكنني أقول اليوم: إنتِ فين من زمان!! راحت أيام الميدان.. واختفت أخلاق الفرسان، وظهرت زواحف الفلول على الجدران وفي كل مكان! وللطرفين أقول ما قاله سيدنا علي -رضي الله عنه-: إن قومًا ركبوا في سفينة فاقتسموا.. فصار لكل رجل منهم موضع، فنقر رجل منهم موضعه بفأس، فقالوا له: ما تصنع؟! فقال هو مكاني أفعل فيه ما شئت! ويعقب الإمام قائلًا: فإن أخذوا على يده نجا ونجوا، وإن تركوه هلك وهلكوا! والسؤال الآن: من يأخذ اليوم على أيدي الثائرين في المكان الخطأ والزمان الخطأ؟! الشيء المدهش أو المؤسف؛ أن المتراشقين والمحفزين للشعب حتى يثور، وللأعصاب حتى تنفلت وتفور، يُجهِّزون للانتخابات البرلمانية، ويتحدّثون عن القوائم المُوحَّدة واللجان الرئيسة والفرعية! وطالما كان الأمر كذلك، وطالما كان الشغل كذلك، وطالما كان الهدف كذلك، فلماذا لا نمضي قُدمًا نحو المستقبل بعيدًا عن تهديدات القتل ودقات المعول؟! لماذا لا نبعد الهوام والزواحف من خلف كل جدار، وننزع من بيننا وحولنا وفي أنفسنا كل رغبات الدمار؟! لماذا لا يتولى أهل الرأي والقضاء والإعلام إنارة الطريق بهدوء وحكمة بدلًا من استعجال الطوفان! لماذا يصر بعضهم أو جلهم على أن يظهر أمامنا كل يوم وليلة عريانًا أو كالعريان؟! ويا أيها الميدان نناشدك..لا تفتح أبوابك لمن يريدون توجيه سفينة الوطن إلى الهاوية، ومن يهدون للثورة في ذكراها الثانية المجيدة ألف كارثة وداهية، ومن يسعون لإطفاء شموعك الباقية! أيها الميدان الجميل نستحلفك بالله العظيم ألا تسمح بدخول قابيل؛ إن جاءك وبيده سكين يستهدف به هابيل! أنزل عليهم من فوق مجمّع التحرير سحائب من لهب.. لا يغرنك الكذب والتضليل والصخب.. انزع عنهم اللقب.. انزع عنهم اللقب! أما أنت أيها الشهيد الذي أخرس بيده صرخات جسده، وتحدى أسلحة وأحذية الفاشيين بشراسة ابتسامته، فدعني أقول لك: حلِّق بروحك فوق الميدان، وانفض عنه وعنّا كذب الشعارات وفحش الكلام..! واطمئن.. ستبقى خالدًا في كل الأزمان.. ولن تذهب كلماتك أهدافك.. أهداف الثورة لدائرة النسيان! وآه يا أم الشهيد.. أدرك خوفك المستمر من أن نوجه الأسلحة إلى قلبه من جديد! أدرك قلقك إذا الليل عسعس على رايته التي لن تنكس! اطمئني.. إنه قمرٌ لا يغيب.. قمرٌ لا يغيب. [email protected]