ستبقى المدينةالمنورة وعلى مر الزمن بيئة صالحة لكل خير، وقد لمعت في سماواتها أسماء كبيرة في أعمال الخير، وحملت راية المروءة وفعل الجميل والمعروف بين الناس، ويكفي أن هذه البلدة الطيبة الطاهرة استقبلت خير خلق الله عليه الصلاة والسلام، والمهاجرين، وكانت لهم سكنًا للقلب، وراحة للبدن، ومنطلقًا لنشر دعوة الحق في أرجاء الدنيا. وعرفت أن أحد تجار المدينةالمنورة (المعاصرين) له أسلوب رائع في التعاطي مع العاملين لديه، حيث يسعى لتأسيس مجال عمل لهم في بلادهم، ويساعدهم بماله ودعمه لهم، حتى إذا عاد أحدهم إلى بلاده وجد لديه ما يعينه في حياته، خاصة إن كان قد بلغ من العمر عتيًا، وهذه الصورة المشرقة من التعامل الراقي ليست منقولة عن كتب التاريخ، ولا من حكايات ما قبل النوم، وإنما هي حقيقة قائمة، والرجل ما يزال حيًا، ويمارس هذا الدور الإنساني الرائع حتى اليوم، وفي المدينةالمنورة والحمد لله!! ورجل آخر من أهل الخير والفضل -ولا أزكِّيه على الله- وهو من أهل المدينةالمنورة -أيضًا- عرفته عن بعد قبل سنوات، وسمعت عنه الكثير مما يسر، ثم التقيت به بعد ذلك في التخطيط لمشروع تربوي، وخلال هذه الفرصة تابعت كيفية تعامله مع مرؤوسيه والعاملين معه، بالطبع ارتفع مؤشر إعجابي به أكثر من ذي قبل، وكانت لي معه لقاءات أخرى في أعمال متنوعة، فأتيحت لي فرصة التعرف عليه أكثر فأكثر، وما زلت أكتشف فيه -يومًا بعد يوم- كثيرًا من الصفات التي يعتقد كثيرون أنها اندثرت في مجتمعنا المعاصر؛ نتيجة تفشي عشق الماديات وهيمنة الجشع وحب الكسب، ولو على حساب القيم والدين، وهو يُؤكِّد دومًا على أن ما يقوم به من أعمال ليست من غاياته الشخصية ولا تهدف إلى كسب المزيد من المال لنفسه، وكما أعرف شخصيًا عنه أعمال بر كثيرة لا يحب أن تذكر عنه ويرغب في سترها. وقد أخبرني أحدهم أن صديقا له -يرحمه الله- كان له حساب في أحد المصارف خاص بالمساعدات، فإذا ما طلب أحد منه شيئًا أعطاه بطاقة الصراف ليسحب منه ما يشاء حسب حاجته منه، دون أن يسأله عما أخذ ولا ينتظر منه تعويضًا!! هذه بعض الصور المضيئة لأفراد يعيشون في عصرنا -عصر المادة- ويُمارسون سلوكيات إنسانية رائعة قد لا يُصدّقها البعض، وقد ينفيها تمامًا، وأنها من صنع الخيال، أو أنها مجرد أوهام لا أصل لها، لكن ولأن موقف ورأي البعض بهذه الكيفية؛ بل وصل الحد ببعضهم إلى درجة اليأس من وجود أناس يفعلون الخير لا يبتغون جزاءً ولا شكورًا من أحد من البشر، يريدون وجه الله ويبتغون مرضاته ورضوانه، وإحقاقًا للحق يجب على من لديه نافذة يطل منها على من حوله التعريف بهؤلاء الأخفياء؛ لتطمئن قلوب كادت تفقد صوابها، وتعيش دوامة اليأس من وجود الخير، وخاصة في العصر الحالي، وبالذات إن كان هذا الخير يعيش مُحلِّقًا في سماوات مدينة النبي الكريم ذي الخلق العظيم عليه الصلاة والسلام!! [email protected]