التغيّر والتطوّر من السنن الكونية التي لا يمكن تعطيلها.. ومجتمعنا ككل المجتمعات يعيش حالة من حالات التغيير هذه. سواء كانت طبيعية من متطلبات التطوّر في الحياة أو كانت جبرية من إفرازات العولمة. وهو واقع بين أقطاب ثلاثة تتنازعه، وهي: العادات والتقاليد، والاندفاع نحو التغيير والتطوّر، والحفاظ على الثوابت الدينية. مما يجعل الانتقال ومراحل التطور تمر بارتباك كبير. لكن هناك حقيقة ينبغي عدم التغافل عنها وهي أن التقدّم في مراحل التغيير الإيجابي، والتطوّر الفكري والتقني والثقافي أمر مطلوب لمواكبة الحياة والسير في تناغم معها. ولكن ينبغي أن يكون هذا التطوّر والتغيير متوافقًا مع ثوابت الدين. شريطة أن يكون هناك من يهتم بما يسمّى (فقه العصر) الذي يستند على أن الدين صالح لكل زمان ومكان.. وأن القاعدة الأسمى هي: يسّروا ولا تعسّروا. عندئذ سنجد أن كل تطوّر وتغيرّ إنما هو مرحلة سمو ورفعة للمجتمع المسلم. فالدين لم يعادِ الحياة يومًا، ولم يطالب بغير اتباع سنة الله في الكون وهي التغيير. لكننا نعاني من مسألة العادات والتقاليد التي خلطها البعض مع أحكام الدين فاختلطت عليه. وتاه وتسبب في تيه الآخرين. فكم من عادات وتقاليد خالفت الشرع وعطّلت المصالح.. وهي في الأساس من وضع البشر واتفاقهم، ومن غير المنطقي أن نفضّل عادات وتقاليد على شرع ودين. إن العادات والتقاليد التي تعطّل مسيرة التقدّم الإيجابي الذي لا يخالف الشرع.. لا حاجة لنا بها ولا منطق يقبلها، والأولى مخالفتها وتحطيم قيودها. أمّا تلك التي تتماشى مع ثوابت الدين بلا ضرر ولا ضرار.. ودون تنطّع وغلو.. فلا بأس بها. ونأتي إلى القطب الثالث وهو الاندفاع نحو التطوّر والتقدّم والتأثر بالعولمة سلبًا لا إيجابًا.. فهو لا يقل سوءًا عن عادات وتقاليد بالية، وقراءات مغالية لنصوص الشرع من قبل البعض. فالتطوّر والتقدم المطلوبان.. هما المتركّزان على الوصول إلى القمم لا إلى السفوح، لكن البعض يعتقد أن التطور والتقدم واتباع العولمة يعني التعرّي من الأخلاق والقيم والمبادئ. لقد تأخّرنا في التحرّر من الجمود الفكري.. بسبب أن لدينا الكثير من العادات والتقاليد التي هي بحاجة إلى إعادة إنتاج بما يتوافق مع الواقع المعاصر. إننا بحاجة إلى عقولٍ نيّرة واعية لا تخضع لأهواء وميول، وبحاجة إلى قلوبٍ مؤمنة تؤمن بأن الرفق واللين خير من الغلظة والشدّة في شتى المجالات. التغيرات تحدث.. لكنها تحدث مرتبكة مضطربة لا تحمل بشائر خير .. بسبب أن رياح الأهواء تعصف بها. [email protected]