تحدثت في مقال البارحة عن أن المنهج العلمي هو منهج فكر وحياة سمح للغربيين بتحقيق طفرة علمية عظيمة غيرت مسار الحياة على الكوكب الأرضي منذ عدة قرون. وقلت بأن المنهج العلمي هو صنيعة الفلاسفة لا العلماء، وأنه منهج حياة توج العقل كأداة وحيدة للتعامل مع معطيات الواقع. المشكلة التي لم ينتبه إليها الغربيون، أن انبهار الإنسان المؤمن بنتائج العلم ومنجزاته قد يجره إلى الوقوع في نفس الخطأ الذي وقع فيه المؤمنون بالمنهج الغيبي. فكما وقع المؤمنون بالمنهج الغيبي في خطأ إحالة الواقع للغيب، وقع بعض المنبهرين بنتائج العلم في خطيئة إحالة ما هو غيبي إلى ما هو علمي. وهكذا أصبح العلم حكما في قضايا الغيب، وصاحب اختصاص في نفيه أو إثباته، مع العلم بأن هذا الادعاء يتناقض مع مفهوم العلم نفسه، من حيث أن العلم لا يضع ضمن اهتماماته أو دائرة اختصاصاته، البحث أو سلطة إصدار الحكم إلا على ما يدخل ضمن نطاق المحسوسات أو المدركات العقلية. هذا الانبهار بالعلم وتتويجه كإله من دون الله، هو الذي أدى إلى تحلل الحياة الروحية في الغرب شيئا فشيئا، حتى وصل الحال بأغلبية الناس إلى النظر إلى الرفاهية بصفتها الغاية الأساس للوجود، ومما أدى إلى تحويل الاستهلاك من وسيلة للحصول على الرفاهية إلى غاية في حد ذاتها. الأضرار التي لحقت بالبشرية نتيجة للإيمان المطلق بالعلم، لم تتوقف عند هذا الحد، بل شملت ما هو أخطر بكثير من ذلك، حيث تطورت صناعة القتل بفضل التقدم العلمي حتى وصل البشر إلى امتلاك أسلحة كفيلة بتدمير كل أثر للحياة على كوكب الأرض، عشرات المرات. الآن وبعد كل ما عانته البشرية بسبب التسلط الذي مارسه العلم على الحياة الروحية للبشر في الغرب، عاد المنهج العلمي للاعتراف بالعلوم الباطنية - بالتأكيد لا أقصد السحر والشعوذة - كعلم الطاقة مثلا، فانتشرت مراكز تعليم اليوغا في الدول الغربية، بل وتمت الاستعانة بعلم الطاقة والمختصين في هذا المجال للتخفيف من آلام مرضى السرطان عبر معظم مراكز الأورام الكبرى في أمريكا وأوروبا. لكن المشوار لا يزال طويلا أمام الغربيين وأمام من تأثر بنمط حياتهم، لاستعادة النشاط الروحي الكفيل بتحقيق التوازن المنشود في حياة البشر. ويظل السؤال: هل سيكون ذلك ممكنا في المدى المنظور؟ [email protected]