* عندما غزا (نابليون) مصر خلال حملته الشهيرة.. قال لجنوده: يجب أن تتحدثوا إلى العرب كثيراً، فلا شيء يمتعهم سوى الكلام، والنكتة والشعر!.. إنهم يحبون الكلام، ولا شيء يضايقهم إلا اختصاره!.. كان هذا في القرن الثامن عشر.. أما في ستينيات القرن الماضي وبعد أن أطلق القصيمي مقولته الشهيرة: (العرب ظاهرة صوتية) فقد انقسم العرب بين مؤيد ومعارض لهذه المقولة.. ورغم قسوة هذا الوصف، إلا أنه عندما تكون الصفة –أي صفة- هي الأبرز بين شرائح المجتمع، فليس هناك بد من قبولها. * صناعة الكلام صناعة عربية بامتياز.. فمنذ أن صدح ذلك الفارس الحمداني بمقولته الخالدة: «ونحن أناس لا توسط بيننا *** لنا الصدر دون العالمين أو القبر».. والعرب يتسنمون الصدارة فعلا.. لكنها صدارة في الكلام والحديث والرواية فقط.. فقد انشغلوا به كما لم تنشغل به أمة على وجه البسيطة.. فقعّدوا له القواعد.. ونحّوا له النحو.. وصّرفوا له الصرف.. ولا أظن أن هناك من ينافسهم في هذه الصناعة حتى الأمة (الهندية) التي يصفها العرب أنفسهم بأنها أمة كثيرة الكلام.. والتي كان على رأس حكومتها يوماً رئيس يدعى (أبو الكلام). * لم يستوعب حديث الأوائل منهم كل تلك الليالي التي زادت عن الألف ليلة بليلة واحدة.. ولم يحوِ (المستطرف) ولا غيره من المجلدات تراثهم الضخم من الأساطير.. ولم يشف غليلهم حتى (حمّاد) الذي ظل يتحدث حتى آخر لحظات حياته.. فأصبحوا كلهم رواة وكلهم (حمّاد). * أما المتأخرون فقد طوروا صناعتهم المفضلة دون المساس بالأصول.. فقد شيدوا (الاستراحات) ليقيموا بها الليالي الملاح ويسهروا حتى الصباح يقولون المباح وغير المباح.. كما طوعوا التقنية لهوايتهم المفضلة.. فحولوا الإنترنت من أكبر مكتبة معرفية عرفها الإنسان إلى منتديات جوفاء. يقولون فيها -من وراء حجاب- ما لا يستطيعون قوله عياناً.. ولعشقهم الجارف للحديث الشفاهي فقد ملأوا مواقع الدردشة وغيروا جلد الفضائيات من منابر تنوير إلى مجرد أشرطة تتراقص ليل نهار وتضج بكلامهم الذي لم تتسع له الأرض فمُلأ الفضاء جعجعة لا طحين لها!! * يخلدون إلى النوم بعد يوم حافل بالحديث.. فلا يكفون عن الكلام حتى في المنام.. فما لم يستطيعوا قوله في صحوهم يهذون به في مناماتهم.. يستيقظون ليوم جديد.. يقرأون الصحف.. يسمعون الأخبار.. فيصدمون بأن أحوالهم اليوم أسوأ من الأمس.. فلازالوا يقبعون في مؤخرة الأمم.. لا يكتشفون أنهم رغم كل أحاديثهم وثرثرتهم.. لم يقولوا شيئاً!! ولكنهم.. بذكائهم العربي الأصيل يكتشفون شيئاً آخر.. إنها المؤامرة!.. نعم فالعالم كله.. شرقه وغربه.. يتآمر عليهم لكي يظلوا دوماً في تلك المؤخرة اللعينة. * ألا ترون معي أنها مؤامرة فعلاً؟!! [email protected]