إدارة القطاع الصحي من أدق وأهم وأخطر الإدارات في الدولة، لأنها تعنى بصحة الإنسان في حال حاجته لمن يُخفِّف عنه وطأة الألم، ويُعيد إليه بعض توازنه الجسماني.. بإرادة الله تعالى. والذين يذهبون إلي المصحّات طلبًا للمساعدة والاستشفاء من علة تُصيب الأبدان، وتؤثر في صحة الإنسان، يحتاجون للرعاية الحانية المبنية على أسلوب علمي مدروس، ليعودوا إلى أهليهم ومنازلهم أفضل مما كانوا عليه قبل ذهابهم إلى المستشفى. حدوث الأخطاء الطبية يُسبِّب قلقا اجتماعيا يُخيف المريض، وقد يُضاعف من محنته المرضية.. ويُصيب أهله بالذعر.. وما حصل في الفترة الأخيرة في أحد المستشفيات المحلية بمدينة جدة، وترتب عليه صدور قرار من وزارة الصحة بإغلاق المستشفى المعني لمدة ثلاثة أشهر يثير تساؤلات كثيرة عن مدى دقة الرقابة على القطاع الصحي الخاص؛ الذي كبر حجمه وزادت أهميته بسبب عدم قدرة المستشفيات الحكومية تلبية حاجة المواطنين، حتى أصبح البديل محليًا؛ أو خارجيًا، بتكاليف لا يستطيعها المريض.. ولا يتوقع من وزارة الصحة أن تتحمل تكاليفها. والأخطاء الطبية ليست محصورة على القطاع الخاص فقط، حيث إنها تحصل في المستشفيات الحكومية أيضًا، وسبق أن تعاملت معها وزارة الصحة بشيء من الحزم، وفرضت غرامات على المتسبب اعترافًا منها بحصول تلك الأخطاء.. واعترافًا بحق المريض وذويه في التعويض.. رغم أن أي تعويض -مهما كان حجمه المادي- لن يكون مجزيًا عندما تصل الحالة إلى وفاة إنسان عزيز.. أو تصبح صحة المريض في خطر بسبب أخطاء فردية. والمصح الذي تم إغلاقه يعد من أكثر المراكز الطبية في مدينة جدة من حيث كثافة المرضى، وذلك دليل على أن هناك أطباء لهم سمعة جيدة ويستقطبون المرضى للتطبيب فيه. والأخطاء الطبية تحصل وستظل تحصل.. طالما أن العنصر البشري هو العامل الرئيسي.. والعبرة في كيفية الحد من الأخطاء قبل حدوثها من خلال رقابة مستمرة وإدارة يقظة لا تسمح بالتهاون في الانضباط وتطبيق المعايير الطبية وفق المواصفات المتعارف عليها في القطاع الصحي والممارسات المتبعة محليا وعالميا. والانطباع السائد بأن المستشفيات الخاصة أصبحت ذات طابع تجاري تميل إلى المبالغة في التكاليف من خلال تكرار الفحوص الطبية والإشاعات -عالية التكلفة- يتحمل أعباءها المريض، إضافة إلى ضعف المستوى المهني لبعض الأطباء المستقدمين من الخارج بأجور متدنية.. ونتيجة لذلك.. تحصل الأخطاء الطبية بسبب الإهمال في بعض المستشفيات. وزارة الصحة هي المعنية بالمراقبة وضبط الممارسات الطبية في القطاع الصحي بصفة عامة.. والسؤال: هل لديها الآليات والطاقة البشرية التي تُمكِّنها من مراقبة القطاعين العام والخاص بشكل مستمر، وبالمستوى المطلوب الذي يجنب المجتمع الكوارث الطبية؟! هذا السؤال يبحث عن إجابة سريعة وشفافة، قبل أن نفاجأ مرة أخرى بإغلاق مستشفى آخر مهم، ويكون له آثار سلبية على توفر الأسرّة والعلاج المطلوب للمحتاجين من المواطنين والمقيمين. وأمام معضلة العلاج الطبي وضعف الأداء في القطاع الصحي بصفة عامة وتجنبًا للذهاب للعلاج في الخارج ينبغي النظر في استحداث جهة رقابية تحت مظلة وزارة الصحة تكون مهمتها التركيز على مراقبة أداء القطاع الخاص، حيث إن عدد المستشفيات والعيادات والمستوصفات الخاصة والعامة المنتشرة في أرجاء الوطن يتطلب مراقبة حثيثة.. وهذا الأمر لا يتحمل التأخير.. وأرى أن من واجب وزارة الصحة الإسراع في دراسة الموضوع.. وإيجاد آلية رقابية فعالة تنزع فتيل القلق لدى المرضى وتضبط الممارسات الطبية في المملكة بصفة عامة. ومع شديد الأسف وصادق والمواساة المخلصة لكل من تضرر بسبب الأخطاء الطبية أقول: إن قفل المستشفيات ليس حلًا، ولكن الرقابة وبرامج الوقاية الدائمة هي السبيل الصحيح.. وعسى أن يكون فيما حصل عبرة تحد من الممارسات التي لا تتفق مع ما تتطلبه مهنة الطب السامية.. والله ولي التوفيق. [email protected] [email protected]