في الوقت الذي تتلبّد فيه سماء العالم بسُحب الفتن والخلافات، وتنتشر فيه الحروب والنزاعات، في أماكن شتّى من عالم مضطرب، تكتنفه أمراض العداوات والنزاعات الدينية والعرقية والعنصرية، في هذا الوقت العصيب الذي يمر به عالمنا المعاصر، وتتبدد فيه فرص الخلاص، تبزغ فجأة بارقة أمل في الأفق من مدينة فيينا العريقة، ومعها بشائر أفق جديد لمستقبل واعد لعالم أكثر أمنًا وسلامًا واستقرارًا، تسوده أجواء المحبة والتفاهم والتعاون، عبر صيغة جديدة للتعايش بين شعوبه ودوله، تقوم على أسس جديدة، تستند إلى الحوار الذي يرتكز على أسس حضارية وإنسانية، حوار يخاطب العقل والقلب معًا، ويستند على قيم المحبة والعدل والتسامح التي نادت بها سائر الأديان، وذلك بدلاً من لغة الحديد والدم والنار التي تستند إلى حوار المدافع، والدبابات، والطائرات، والقنابل، والصواريخ التي تسفك الدماء، وتقتل الأبرياء، وتدمّر المباني والمنشآت، وتنثر بذور الكراهية والحقد والانتقام بين شعوب العالم بعضها ببعض، وبين أطياف ومكونات الشعب الواحد، بدوافع الطائفية والعنصرية. لذا فكان من الطبيعي أن تتجه أنظار العالم خلال اليومين الماضيين بعيون الأمل والاستبشار إلى مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز العالمي للحوار بين الأديان والثقافات، الذي أصبح صرحًا جديدًا شامخًا من صروح السلام لنشر رسالة المحبة والتسامح بين شعوب الأرض، وكملتقى حضاري للحوار العالمي، وأيضًا كحلم راود خادم الحرمين الشريفين على مدى أكثر من خمس سنوات، ثم أصبح الآن بفضل الله حقيقة واقعة بهذا الصرح العتيد، الذي يقف شامخًا وسط أوروبا محتضنًا رؤيته -حفظه الله- في أن يكون الحوار المفتوح بين أتباع الديانات والثقافات المختلفة متواصلاً من خلال مقر دائم يحتضنه ويرعاه ويتابع قرارته وتوصياته، ويطور أدواته وفعالياته بهدف خدمة قضايا العدل والسلام، ونزع فتيل الحروب والخلافات والنزاعات ذات الطابع الطائفي والعقائدي والعنصري. المركز من منطلق هذه الرؤية التي تجسدت واقعًا ملموسًا منذ أمس الأول يشكل الرد المناسب العملي والبليغ على طروحات فوكوياما، وهينتنجتون حول صراع الحضارات، ويثبت مرة أخرى أن المملكة صاحبة رسالة عالمية لنشر المحبة والسلام والوسطية والاعتدال المستمدة من مبادىء الدين الإسلامي الحنيف، وأن هذا الدين بريء ممّا ينسبه بعض الحاقدين من أوصاف لا تمتُّ إليه بِصِلَةٍ.