يساعد التميز في البحث والابتكار المتزايد قي قطاع الأعمال على تسريع إعادة الهيكلة الاقتصادية والمساعدة على العودة إلى مسار النمو المستدام وهو ما يطلق عليه إستراتجية العلوم والتقنية والابتكار(Strategy for science technology and Innovation) وهي إستراتيجية كشفت عنها إدارة الوظائف والابتكار والمشروعات في وزارة الاتصالات والطاقة والموارد الطبيعية في إيرلندا في سياق تلك الإستراتيجية التي تبنتها الحكومة في سبيل تأسيس بيئة بحثية قوية لبناء التفوق العلمي، وهو توجّه جدير بالإشارة والتعليق، فقد اطلعت على بحثه الذي نشرته مجلة الراصد التي تصدر عن وزارة التعليم العالي عندنا، وتعنى برصد الأوضاع الراهنة لقطاع التعليم العالي في المملكة، وقد أحسنت هيئة تحرير المحلية صنعًا بإلقاء الضوء في عددها لسبتمبر 2012 على آليات قياس (حوكمة الجامعات) لمقارنتها بالمعايير الدولية التي تفرق بين تأمين الوظيفة كمعيار نجاح من منظور الأهل وبين إسهام التعليم العالي في إثراء الحركة العلمية والمعرفية ونشرها كمعيار أكثر جودة وقبولاً من منظور المؤسسات التعليمية الدولية، وقد تضاعف مستوى الاستثمار في البحث والتطوير في العقد الماضي إلى ثلاثة أضعاف فضلاً عن توفير دعم للاستثمار في البحث والتطوير العلمي، وقد بلغ مجموع الإنفاق الحكومي على البحث والتطوير لعام 2009 في أيرلندا فقط 941 مليون يورو، ويتوقع أن يصل مجموع الإنفاق إلى 2,21% من حجم الناتج الوطني الإجمالي، وهي نسبة قد تجاوزت بذلك الاتحاد الأوربي في هذا الجانب رغم تخلّفها عن أمريكا، وكان عدد المقالات العلمية والهندسية لكل مليون نسمة في إيرلندا في عام 2008 بما يفوق الموجود في دول أوربا، غير أن الدلائل تشير إلى الزيادات المستمرة في مدخلات البحوث العلمية ومخرجاتها مما ساعد على مرونة التصدير مع توفير قاعدة أوسع من المشاركة للشركات في أنشطة البحث والتطوير والابتكار. والملفت للنظر في البحوث هو التركيز والعناية بزيادة إنتاج رأس المال البشري في مجال العلوم والإنتاج والهندسة والعلوم الإنسانية، والشاهد في أمر استعراض هذا البحث هو الإشارة إلى أهمية المقارنة التي نطمع أن تجريها (الراصد الدولي) مع الوضع عندنا لمعرفة حجم الاستثمار في البحث العلمي ودعمه من جهة، ومن جهة ثانية حجم مساهمات القطاع الخاص والشركات في البحوث العلمية واختيار ما يحتاجه السوق والاقتصاد من موضوعات لمدخلات تلك البحوث، ثم آليات الاستفادة من مخرجاتها ضمن منظومة اضطلاع الجامعات بالبحوث العلمية وطرق الاستفادة منها، إذ لا تكفي وحدها الكراسي العلمية التي يؤسسها بعض أصحاب السمو الأمراء، ونتطلع إلى مشاركات اجتماعية من قطاع الأعمال في الشركات الدولية المختلطة مع مساهمين أجانب وإلى الشركات الكبرى والبنوك لدعم مسيرة البحث العلمي بما يعود بالنفع على الوطن، ولا يخفى على المطّلعين بأن الهدف الرئيس من إنشاء الجامعات وتكاثرها هو أن تتحول في أقرب فرصة إلى مراكز بحث وإشعاع وليس مراكز تعليم وتعلم تُكرِّر خطط التعليم التقليدي.. والملاحظ في الدول المتقدمة أن المجتمعات والشركات تدعم المؤسسات البحثية مادياً ومعنوياً وتطالب الحكومات بالإنفاق السخي عليها. ويلاحظ في مقارنة عاجلة أن التمويل العربي للبحث العلمي الذي تضطلع به الحكومات أصلاً بنسبة تصل 80% من مجموع التمويل مقارنة ب3% من القطاع الخاص، 17% من مصادر مختلفة، في حين تنفق أمريكا وحدها حوالي (170 مليار دولار) على البحوث العلمية، وتنفق اليابان (130 مليار دولار) وتنفق دول أوربا (420 بليون دولار).. أما إسرائيل فتنفق ما يوازي 47% من إنتاجها القومي في البحث العلمي، كما تُخصِّص 34,6% من موازنتها الحكومية لمؤسسات التعليم العالي، بينما يبلغ إجمالي إنفاق الدول العربية (مجتمعة) على البحث العلمي والتطوير نصف ما تنفقه إسرائيل، ومن خلال المقارنة نستطيع إدراك أسباب تراجع العالم العربي في مجالات البحث والابتكار!! [email protected]