يعتبر الإنفاق على البحث العلمي في الدول العربية هو الأقل بين دول العالم. وهناك اتفاق دولي حول نسبة الإنفاق على البحث العلمي والتطوير قيمته 1٪ من الناتج المحلي الإجمالي. وهذه النسبة تعتبر كافية لتحقيق أثر له شأن في قطاعات المجتمع المختلفة وأي إنفاق دون هذه النسبة فيمكن اعتباره إنفاقاً غير منتج وهذا هو حال الوطن العربي. فمثلاً نجد أن حجم الإنفاق على البحث العلمي لدول الوطن العربي من كل المصادر المحلية لعام 1992م نحو 548 مليون دولار وهي تمثل 0,11٪ من الناتج المحلي لنفس السنة. وهذه النسبة تقل عن 0,1٪ في 60٪ من الدول العربية بينما تتراوح بين 0,2٪، 0,4٪ في باقي الدول العربية البالغة نسبتهم 40٪ (المنظمة العربية للتربية والتعليم). لذا فإن نسب الإنفاق على البحث العلمي في عالمنا العربي متدنية في ضوء المعيار العالمي والذي تخطته بعض الدول المتقدمة بخمسة أضعاف ونتج عن ذلك انخفاض وتدن وعدم جدوى ما يصرف على تمويل البحث العلمي في الدول العربية. ولو نظرنا إلى واقع البحث العلمي في المملكة العربية السعودية لوجدناه لا يختلف عنه في باقي الدول العربية من حيث نسبة الدعم إضافة إلى بعض نقاط الضعف التي يتوجب دراستها وتلافيها للنهوض بالبحث العلمي إلى مصاف الدول المتقدمة. ولعل من أبرز نقاط الضعف تلك هي: 1) عدم الأخذ في الاعتبار وبشكل جدي أهمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص والتكامل بينهما بحيث يعمل ذلك على زيادة قدرة وسعة البحث العلمي وتوجيه النتائج نحو السوق وتعزيز الطلب عليها. 2) إسهام القطاع الخاص في البحث والتطوير يكاد يكون معدوماً (يمثل إسهام القطاع الخاص في البحث والتطوير في الدول المتقدمة نسبة كبرى من التمويل والإنفاق) ولا تتوفر تشريعات أو حوافز على المستوى الوطني من أجل توفير التمويل اللازم لقيام نشاط بحثي يحقق غايات التنمية. 3) غياب وجود هيئات على المستوى الوطني أو ضعف الموجود منها لرسم سياسات البحث والتطوير وتقديم المشورة والتعاون والتنسيق وتبادل الخبرات وتكامل الموارد والإمكانات مما يقلص من إمكانات التطور في مجال البحوث. 4) النقص في عدد المؤسسات العلمية والمهنية والجمعيات المعنية بالبحث والتطوير وتقديم المشورة وضعف القوانين والتشريعات والنظم واللوائح في مجال التعاون العلمي بينها وبين الجامعات ونقل التقنية فيما بينها. 5) غياب أو قلة قواعد المعلومات البحثية والعلمية أو الجهود المنظمة لجمعها وتوفيرها وضعف نظم وطرق الاتصال بين تلك الهيئات (يؤثر ذلك على قيام علاقات قوية بين مختلف الهيئات الفاعلة في ميدان العلم والتقنية، والقدرة على نشر التقنية العلمية والتواصل بين الباحثين). 6) ضعف تجهيز المرافق والمنشآت العلمية والتي تحد من إمكاناتها وقدرتها على تحقيق تقدم علمي وتقني. ولتلافي تلك السلبيات ولنتمكن من تطوير وتفعيل البحث العلمي المثمر فلابد من رفع نسبة الإنفاق على البحوث والتطوير من الناتج المحلي الإجمالي ضمن خطة وطنية لدعم البحوث مع إنشاء صندوق للبحث العلمي في كل جامعة لدعم أنشطة البحث العلمي. وإنشاء معاهد بحوث في الجامعات تضم هيئات استشارية من العلماء والمهندسين والباحثين يناط بها العمل على وضع وتطوير خطط وطنية في مجال توجيه وتقييم البحوث والصرف ومتابعة البحوث المعتمدة. وتقوية العلاقة بين الجامعات ومؤسسات ومراكز البحث العلمي وإيجاد الآليات والنظم التي يمكن من خلالها تقوية الارتباط فيما بينها وتطوير نظم الاتصال بين الجامعات وغيرها من الهيئات البحثية، وإنشاء قواعد للمعلومات العلمية والبحثية وتوفير المعلومات الأساسية اللازمة لوضع السياسات والخطط وخدمة احتياجات مختلف القطاعات ووضع برامج لتبادل أعضاء هيئة التدريس والباحثين في الجامعات ومؤسسات ومراكز البحث العلمي والتشجيع على المشاركة في المؤتمرات والنشاطات العلمية. ومن المهم جداً تطوير المراكز العلمية المتخصصة الموجودة في الجامعات لتكون مراكز متميزة تخدم كافة قطاعات الدولة مع الاهتمام بتعزيز البحوث الأساسية والبحوث الموجهة نحو حل المشكلات ومراعاة الأولويات البحثية الوطنية وتعزيز الدور الرئيسي الذي تؤديه البحوث العلمية في اكتساب المعارف وإيجاد الحلول. ولابد من الاستفادة من خبرات المنظمات والهيئات الدولية وتفعيل برامج التعاون معها وتوفير أشكال متنوعة من التعاون بين الجامعات ومؤسسات البحث والتطوير على المستوى الدولي مثل المشروعات البحثية متعددة الأطراف، وإقامة شبكات البحوث والشراكات بين الجامعات والهيئات العلمية، وتنفيذ برامج لتيسير تبادل المعارف وتشجيع إقامة مراكز بحثية برعاية دولية. وأخيراً ولتشجيع البحث والابتكار فلابد من توفير حوافز وإنشاء جوائز للبحوث العلمية المتميزة في مختلف المجالات العلمية والبحثية. إن الإنفاق على البحث العلمي هو أحد المؤشرات الهامة لقياس تقدم الشعوب ومعرفة مدى اهتمام وتقدير حكوماتهم لتدعيم مسيرة العلم والتقدم التكنولوجي من جانب والارتقاء بمجالات التنمية وتحقيق رفاهية شعوبهم من جانب آخر فهل تقف الدولة وقفة جادة من أجل البحث العلمي؟!! ٭ كلية الزراعة والطب البيطري - جامعة القصيم