هل ستكون بالفعل شبكة الطاقة الكهربائية الذكية (Smart Grid) وأبحاثها العالمية المتسارعة المعنية بالكفاءة الاستهلاكية ذات الاتجاهين في الاتصال والتحكم المبرمج بين المُزوِّد والمُستَقْبِل للكهرباء؛ العلامة البارزة أو السمة المميزة للابتكار في القرن الواحد والعشرين (Hallmark Innovation) كما يُتَوقَّع لها؟ قد تتربع وتسيطر هذه الشبكة الذكية على عرش الابتكار والإبداع دون منازع، كونها مرتبطة بالتحكم بأية طاقة كهربائية استهلاكية قديمة منها أو متجددة، وهي ليست ببعيدة عن هذا الموقع الحيوي المهم الذي ينْشَدُّ إليه الجميع في عالمنا المعاصر، بعد أن اهتزت ذهنية المهتمين والمختصين بالمتغيرات البيئية المتواترة التي لم تعد مستدركة التحكم والتحييد بسهولة بعد الانفلات البيئي القاتم الكبير، وأصبحت الأرض تتعرض لأجواء مناخية متقلبة وكوارث مدمرة لم تشهدها من قبل بتلك الصورة السوداء، جراء الاستنزاف البشري والصناعي المفرط الكبير لمصادر الطاقة الأحفورية النافثة للغازات، ممتدا هذا الاستنزاف بقسوة ليطال استقرار حرارة الغلاف الجوي، والبحري أيضا في تمدده وارتفاعه المتزايد الخطر نتيجة لذوبان الجليد في القطبين كما تشير إليه الدراسات المناخية. إن توجه جامعة الملك سعود الأخير نحو الاستدامة في مفهومها المرتبط بالبعد البيئي، والمتمثل في أبحاث كفاءة الطاقة وتقنين استهلاكها ضمن برامج شبكة الطاقة الكهربائية الذكية، من خلال توقيعها اتفاقية تعاون بحثي نهاية شهر تشرين الأول (أكتوبر) عام 2010، مع المعهد الكوري المتقدم للعلوم والتقنية (KAIST) الواقع في مدينة دايجون الكورية، يعد سبقا مهما للجامعة بين مثيلاتها في الشرق الأوسط في توطين ونقل أهم التقنيات المطلوبة بشدة والمُعَزِزَة للاستدامة البيئية إلى المملكة، وسوف يضعها في واجهة إبداعية متوقعة ويجعلها منارة علمية قادمة تتجه إليها الأنظار المبدعة والنابضة بالابتكار بإذن الباري عز وجل، وهذا ليس بغريب على قيادييها الوطنيين في استثمارهم الكبير الملموس في البحث العلمي ومراكزه المتطورة والموارد البشرية المنتجة، ونقلهم لها لمواقع متقدمة في التصنيفات العالمية للجامعات في السنوات القليلة الماضية، بل ومتوقع لها أن تستمر في تقدمها مع هذا الاهتمام والتركيز المدروس، الذي نرى بوادره حاضرة أمام أعيننا كل سنة كما في تقنيات النانو وسيارة غزال الواعدة التي يُتَوقَّع لها أن تُحدث نقلة وطنية نوعية في الشرق الأوسط ليس لها مثيل لو تم إنتاجها وليس تجميعها في المملكة، وبتقنيات ذات كفاءة استهلاكية عالية للطاقة، وبتعاون مشترك يتم فيه نقل وتوطين تقنية السيارات ومحركاتها وتطويرها على أيد وطنية في المملكة، إلى إنتاج سيارة هجينة (Hybrid) مستقبلا تكمن في السيارة الكهربائية EV التي تعتمد كليا على الشبكة الكهربائية الذكية والتي بصددها الجامعة حاليا في اتفاقها مع الكوريين. فمن باب الاستفسار؛ دعونا نتساءل عن كيفية تحول هذه الشبكة الذكية من منظور عملي تطبيقي لتصبح مِعْوَلا مهما لتحقق مستقبلا مستداما للطاقة كما يراه البعض من الخبراء والمختصين، يعززها في ذات الوقت خروج عدة قراءات وأحداث وتوجهات جادة لمؤسسات إنتاجية ومراكز بحثية، وتحالفات أيضا في الساحة العملية والبحثية الابتكارية المختصة بالشبكة الذكية، فهذه المعطيات تعد دليلا واضحا على اهتمام واسع عالمي وجدية منتظِمة ومنظَّمة لتحقيق الرؤى والتعهدات إلى واقع عملي تنافسي ومعرفي تبادلي، والتي لا نلحظ للأسف تواجد وحضور مؤسسات العالم العربي ولا حتى الإسلامي بقوة في هذه التحالفات، ونذكر منها التحالف الشبكي الذكي في واشنطون- بأمريكا إن صحت الترجمة (GRIDWISE ALLIANCE) والذي يضم تحته العشرات من المؤسسات والشركات العالمية ومراكز الأبحاث والجامعات المعنية بالشبكة الذكية في مجال التبادل والتعاون العلمي والمعرفي، وترتيب الاجتماعات والفعاليات والندوات والمؤتمرات المختصة، ومنها الذي انتهى في شهر أيلول (سبتمبر) من تاريخ 21-23 عام 2010 تحت مسمى منتدى الشبكة الذكية العالمي (GRIDWISE GLOBAL FORUM) وشارك فيه خبراء ومتحدثون وتنظيمات من شتى أنحاء العالم. ونضيف إلى فعاليات ذاك التحالف الشبكي وليس للحصر ما يتم بالفعل من مشاريع كبيرة وعملاقة تحت التنفيذ في شرق آسيا كالذي يحدث في كوريا الجنوبية من تقدم مطرد مبرمج كبير وسريع في الساحة الاقتصادية والصناعية والهندسية والعلمية البحثية، وفي بعض من دول أوروبا وعلى رأسهم ايرلندا كأحد أكبر رواد الشبكة الذكية، كأمثلة حية يحتذى بها في صناعة الاستراتيجيات والاستدامة في الطاقة، كون ايرلندا جزيرة أوروبية منفصلة عن بريطانيا وتفتقر إلى الكثير من المصادر المقومة للاقتصاد إبان ولادتها في بداية القرن الماضي، وهو السبب الذي جرها إلى العمل بقوة نحو الابتكار وتحفيز العقل البشري واستغلال العلوم في النهضة التي تعيشها، خاصة في مجال الأبحاث العلمية للخروج من ضعفها بتنفيذ أجندات إستراتيجية محكمة، كما يقول القيادي التنفيذي للاستدامة في إي إس بي ESB الايرلندية، في إشارة منه أن عام 2008 كان العام الذي اتخذت فيه أوروبا عهدا على تقليص نهائي لانبعاث الكربون في عام 2035، من خلال استراتيجيات مؤقتة بخفض الانبعاث إلى 30% عام 2012 ليصل إلى 50% في عام 2020، وهو ما تقوم بتنفيذه الحكومة الايرلندية في توجهها لإنتاج 42% من الطاقة من الرياح القوية التي تتمتع أجواؤها بها لفترات طويلة في العام وبدعم من أبحاثها في الطاقة. واستنادا إلى المعلومات والتقارير التي يتم الإعلان عنها من وقت لآخر بما يخص الطاقة والاستدامة، كترجمة لمشاريع حية يتم الخوض فيها في الدول المتقدمة والنامية القادمة بقوة في الساحة، فإن خطوة جامعة الملك سعود في الاستثمار البحثي في الشبكة الكهربائية الذكية؛ هي خطوة في الطريق الصحيح نحو الألف ميل الذي يجب أن تدعمه القطاعات النفطية والبتروكيماوية والصناعية في المملكة وأشدها الشركة السعودية للكهرباء إن أردنا اللحاق بالركب العالمي، من خلال ما تنوي استثماره من مليارات الريالات في مشاريع الطاقة الكهربائية، من حيث النظر إلى تأثير الدفع بكفاءة الاستهلاك المرتبط بمفهوم الاستدامة العالمي البيئي نحو تزويد الطاقة للعملاء باستمرار، وعدم انقطاعها التناوبي الذي بات يؤرق الجميع وخاصة في أوقات الذروة في فصل الصيف.