سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
مهاجمة غزة.. عبث إسرائيلي لا مبرر له المؤكد أن قادة إسرائيل، ومعهم ساسة أمريكا، عاجزون عن استيعاب حقيقة أن أمن إسرائيل لن يتحقق ببقاء إسرائيل كما هي عليه اليوم
تعالج إسرائيل موضوعها الأمني بطريقة فجة غير عملية.. تسابق المحللون العرب والأجانب للحديث عن مبررات وأسباب العدوان الإسرائيلي الوحشي على غزة.. البعض ادّعى أن حماس بدأت بإطلاق الصواريخ على غزة، وإسرائيل ردّت على ذلك.. ونسب البعض ما يجري إلى العلاقة الكلامية المتوترة بين إيران وإسرائيل، بحجة أن حماس استجابت لضغوط إيرانية لإشغال إسرائيل عن الإعداد لضرب المفاعلات النووية الإيرانية. ومثل هذا الكلام، هو كلام فارغ، ولا يوجد ما يؤكده.. بل إن ما يثبت العكس، أي أن إسرائيل تشن عدوانًا غاشمًا على غزة، ما كشف عنه كاتب إسرائيلي في صحيفة «النيويورك تايمز» يوم السبت الماضي من أن القائد العسكري في حركة حماس أحمد الجعبري، الذي استُشهد في عملية اغتيال قام بها الإسرائيليون، كان حتى لحظة اغتياله يشارك في مفاوضات بين الإسرائيليين ومجموعات فلسطينية تطلق الصواريخ من غزة سعيًا للتهدئة والوصول إلى حل للضرب المتبادل بين الإسرائيليين والفلسطينيين. من الصعب فهم ما الذي يمكن أن تحققه إسرائيل من عدوانها على غزة.. فهي لا تستطيع أن تدخل غزة وتحتلها، فالثمن البشري من ضحايا جنود الاحتلال في مثل هذه الحالة سيكون عاليًا بشكل لا يمكن للإسرائيليين تحمله.. أما إذا كانت تستهدف الضغط على العرب، بمن فيهم الفلسطينيون، للوصول إلى اتفاقيات سلام جديدة، فهذا غير ممكن لأن لديها فعلًا اتفاقيات مع مصر والأردن.. أما لبنان وسوريا فإنهما في وضع داخلي لا يتيح لأي منهما التوقيع على أي شيء، ولا يُشكِّل أي منهما خطرًا حقيقيًا على الأمن الإسرائيلي. بعض المحللين العرب يعتقد أن نتنياهو يسعى لتعزيز موقفه الداخلي تمهيدًا للانتخابات القادمة.. واستمعتُ إلى محلل سياسي يقول في برنامج السيدة منى الشاذلي الحواري على قناة إم بي سي - مصر، إنه يعتقد أن الإسرائيليين اعتدوا على غزة حتى يتمكّنوا من اختبار (المظلة الحديدية) التي وفرها لهم الأمريكيون، تمهيدًا لقيامهم بالاعتداء على إيران واستعدادًا لما يمكن أن تطلقه من صواريخ عليهم بعد أن يعالجوا مع الأمريكيين العيوب التي ظهرت في مظلتهم الحديدية والتي اخترقتها صواريخ غزة. المؤكد أن قادة إسرائيل، ومعهم ساسة أمريكا، عاجزون عن استيعاب حقيقة أن أمن إسرائيل لن يتحقق ببقاء إسرائيل كما هي عليه اليوم.. وبصرف النظر عما إذا كان الربيع العربي يستهدف تقسيم الدول العربية إلى دويلات صغيرة عبر توفير الفرصة لبروز جماعات «إسلام سياسي» لا تتوفر لها الخبرة في الحكم وتدفع إلى تقسيم المواطنين والبلاد عبر تصرفات غير مدروسة لهذه الجماعات.. أو أن يكون هذا الربيع يستهدف خلق كتلة طائفية سنية تقف في وجه الطائفة الشيعية (بما فيها إيران) وتتقاتل معها، كما يعتقد البعض.. بل وبصرف النظر عما إذا كان الأمريكيون على استعداد في عهد أوباما الجديد للتفاوض مع الإيرانيين وتقديم الدعم لهم لممارسة هيمنتهم على منطقة الخليج أو الجزيرة العربية بكاملها مقابل ترتيبات خاصة، كما تتوقع بعض الأوساط السياسية بعد حديث أوباما في مؤتمره الصحفي منتصف هذا الشهر الذي أعلن فيه رغبته الدخول في مفاوضات مع الإيرانيين خلال الشهور القليلة القادمة. بصرف النظر عن حدوث أي من هذه التوقعات المتشائمة أو حتى عدم تحقق أي منها.. فإن الكيان الإسرائيلي لا يمكن أن يبقى كما هو عليه، ككيان عنصري قائم على استبعاد الآخر الفلسطيني الذي يشاركه العيش على ما تبقى من الأرض التي اغتصبها.. حتى وإن واصل محاولة إبادة الفلسطيني وتهجيره، لذا تكون المغامرة الدموية الحالية لبنيامين نتنياهو ليست سوى عبث سيدفع الإسرائيليون ثمنًا غاليًا له.. فلعب السياسة الداخلية بأثمان عسكرية إسرائيلية عالية وأرواح فلسطينية غالية قد تؤدي إلى عودة نتنياهو إلى كراسي الحكم، ولكنها لن تغير من المسار المحتوم لمصير مشؤوم للكيان الإسرائيلي.