الحديث عن أحداث غزة يكتنفه الغموض وتحف به الملابسات، فقد جاء العدوان الإسرائيلي مفجرا للموقف وذلك باغتيال الجعبري الذي اتهمته تل أبيب بأنه وراء أسر شاليط الجندي الإسرائيلي الذي سبق أن أطلق سراحه، مما دعا حماس إلى الانتقام بإطلاق الصواريخ على الأراضي المحتلة في إسرائيل فوجدتها إسرائيل فرصة لاختبار قبتها الحديدية وممارسة العدوان على غزة. لقد جاءت العملية في أعقاب هزيمة رومني المرشح الجمهوري للرئاسة الأمريكية، وقبل خوض نتنياهو للانتخابات في إسرائيل، فهل أراد منها نتنياهو أن يكسب شعبية تدعمه في الانتخابات القادمة؟. كما أن العدوان الإسرائيلي جاء مصاحبا للاعتراف بالمعارضة السورية وتأييد الدول الأوروبية والأمريكية، ومناصرة العالم العربي لها. فهل جاء العدوان لصرف الأنظار عن القضية السورية والعمل على تخفيف إيقاع التقدم الذي أخذ يتسارع في ميدان المعارضة؟ أم أن إسرائيل أرادت من ذلك استدعاء الدور المصري لتفريغ غزة من بعض سكانها وتعويدهم على اتخاذ سيناء موطنا لهم، علما أن كثيرا من أراض سيناء قد تم شراؤها من قبل بعض الفلسطينيين؟. لقد بادر الرئيس المصري بإرسال رئيس حكومته إلى غزة بطلب من الولاياتالمتحدة لتهدئة الأوضاع هناك، لكن قنديل ألقى كلمته التي حدد موقف مصر تضامنا مع أهالي غزه والبحث في إقرار هدنة بين حماس وإسرائيل، لكنه مع ذلك قال إنه يحب السلام القائم على دولتين لتكون القدس عاصمة عربية. إن هذه الكلمة شكلت إحباطا خفيا لحماس التي وضعت المقاومة هدفا استراتيجيا لها، لهذا أخفيت هذه الكلمة ولم ترددها إلا BBC اللندنية. فنتنياهو ومستشاروه وحليفه ليبرمان لا يزالون يؤمنون بأن (الدم هو ثمن النصر) وهي نظرية استراتيجية بائدة وضعها فون كلاوزونيتس المنظر الأول للاستراتيجية. أما استراتيجية أوباما فلا ترى ذلك، بل ترى أن استخدام القوة الناعمة من ضغوط دبلوماسية وسياسية واقتصادية وحروب «سايبرية» هي الأفضل في هزيمة الدول وهي ما تمارسه أمريكا ضد إيران اليوم. إن القيادة في إسرائيل لا تزال هي وإيران تؤمنان بمبادئ القرن العشرين وتعملان على احتلال الأراضي، بينما العالم تطور تجاه الغزو الثقافي والاقتصادي.