أعتقد أن هذا السؤال من أهم وأخطر الأسئلة، بل أصعبها وأوضحها على النفس؛ بحيث إن الإجابة عنه تبدو مفاجئة من طرف، وغير ملتبسة من طرف آخر! أمَّا كونها مفاجئة فلأنَّ مواجهة الإنسان نفسه قاسية وشديدة، خاصة إن آمنّا بغفلتها وتمردها، وأمَّا كونها غير ملتبسة؛ فلأن الضمير الحي يشعر بالوخز والتأنيب والتقصير ولا يعترف بالتزوير. لست أدري ما هي الخوالج النفسية التي كانت تدور في خلد الخُلَّصِ من الأولياء والصالحين، حتى استقامت جوارحهم، ولانت لهم، وصفت نفوسهم، وطابت عباراتهم، ولكنني يمكن أن أستلهم من كلماتهم ما كان يشغلهم، حتى بدت تلك الكلمات خلاصة لتجربة نفوسهم في عالم التزكية والتصفية. ولعل العابد الزاهد الإمام الجُنيد يلخص لنا هذه المسيرة النفسية بطريقة عملية بقوله: "الصادق يتقلب في اليوم أربعين مرة". أي أن الصادق يدور مع الحق، ويتقلب بين العبادات والطاعات، سائرًا نحو أفضلها، إما صلاةً، أو صيامًا، أو مجلسًا لذكر، وهكذا باحثًا عما يرضي الله. وهو يعتبر أيَّ تقلب عن هذا الصراط انحرافًا حقيقيًّا تجب معالجته، ومغالبة النفس في تخطيه. إن شوائب النفس لو انتصرت، وترسبت في الإنسان، فإن هذا هو الموات الحقيقي. بيد أن رحمة الله أوسع؛ ولذا غالب الصالحون والراجون عفو الله أنفسهم، فرزقها الله الطمأنينة والرضا والأنس به جل في علاه. لا أريد أن أبدو واعظًا هنا وأنا أعلم بأخطائي وتقصيري، لكنني أرجو أن يرحمني الله، بسعيي في الخير، وخدمة أهله، عسى أن تكون أعمالي هذه هي المنبهة من أي تحرش شيطاني، أو زلة يستغلها شياطين الإنس. ولعل في موعظة المرأة لشيخ جنح يومًا ما يكفي إذ قالت له: فَقَالَتْ أَمَا يَنْهَاكَ عَنْ تَبَعِ الصِّبَا*** مَعَالِيْكَ وَالشَيْبُ الذي قد تَبيَّنَا [email protected] [email protected]