عرضت الحكومة البريطانية قبل عقود مقترحاً لوضع صندوق أسمته "صندوق الضمير" ليضع فيه أفراد الشعب بقايا ما عليهم من الضرائب التي غفل عنها الجباة. وقد دعوه "صندوق الضمير" لأن أفراد الشعب هناك يشعرون بوخز الضمير حين يدفعون إلى الحكومة ضرائب أقل مما يستوجبه القانون! وعند هذا الحدث يعلق عالم الاجتماع (د. علي الوردي) بأن مثل هذا الصندوق لو وضع في بغداد لأصبح هو في ذاته منهوباً! غريب أمر عدد ليس بالقليل من المسلمين، تختلف أحوالهم عند المال، وإغراء المال، وسماع رنَّة المال. فبعض الدوائر الحكومية وحتى الخاصة في كثير من بلاد المسلمين تكاد تكون معروفة ومشهورة بتمرير المعاملات عن طريق الرشى -والعياذ بالله-. ومرة وأنا في غمرة الأسى على هذا الواقع، قلت في نفسي: ماذا لو وضعت كاميرات مراقبة، هل سيكون الحال هو نفس الحال؟! بل وكيف لو رصدت الكاميرا مواقف عجيبة في تاريخنا المعاصر، تفضح سلوك بعض المسلمين الغافلين، ومن ذلك ما رواه د. علي الوردي في كتابه (ملامح المجتمع العراقي)، أن مجموعة لصوص سطوا على بيت امرأة، فلما أحسَّ أبناؤها بهم، قالت لهم الأم: قوموا يا أولادي، لعل بعضهم من أهل الحاجة فاضطروا لدخول بيتنا خلسة، فلما سمع اللصوص بالقصة تابوا من فعلهم! والقصة الأخرى التي حدثت في منزل سماحة الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- في الطائف، وكان يصلي الليل، فدخل لص، ولم يعلم أنه بيت المفتي! فلما علم الشيخ بالقصة أدخلوه عليه، وسأله ابتداءً عن سر دخوله متلصصاً، فأخبره السارق بأنَّ أمه كبيرة في السن، ولا يملك ثمن علاجها، وأخَّر صاحب العمل المال عنه، فلجأ لذلك. فما كان من سماحته -رحمه الله- إلا أن مدَّ له يده المساعدة، وساعد أمه في العلاج حتى شفيت -بفضل الله-، ومن بعدها عاد هذا الرجل لبيت الشيخ بن باز، وعمل معه خادماً سنين طويلة إلى أن توفي -رحمه الله-. يالله، كم يكون القلب كبيراً عندما يتحرى الحلال، ويعود لإنسانيته، وكم يكون القلب وضيعاً عندما يخدم الجسد، ثم يأتي الجسد الذي حرص على متعته ليشهد عليه بخيانته أمام الملأ! (وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء). اللهم أغننا بحلالك عن حرامك، ومتعنا بأسماعنا وأبصارنا ما أحييتنا، واجعلها الوارث منا. [email protected]