في كل عام تتشرف أرض الحرمين الشريفين.. شعب.. ووطن.. ودولة.. بالاستعداد والتجهيز لاستقبال الحجيج من كل حدب وصوب حتى تَكوَّن لهذا البلد الأمين مُنذ أربعة عشر قرن من الزمان تجارب وخبرات فريدة من نوعها في تجارب الإنسانية.. يحكم ذلك خصوصية المكان وحدود الزمان.. وكثافة الأعداد وتعدد الجنسيات واللغات.. وتفاوت الأعمار والمشارب الحضارية.. وهذا بدون شك قدرنا في أرض الحرمين نؤدي هذا الواجب برضا وتفانٍ وفخر واعتزاز. وانطلاقًا من إدراك الدولة بعظم المسؤولية وتعاظم المهام وحسب توجيهات خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز -أطال الله في عمره- فإن الأداء يتحسن في كل عام بفضل ما يُسخَّر لمواسم الحج العظيمة من الأموال والرجال لضمان الأمن أولا.. والسهر على راحة وفود الرحمن الذين تتزايد أعدادهم في كل عام وتتطلب مزيدًا من توسعة للمكان ودقة التنظيم والإدارة لضمان سير موسم الحج كما ينبغي في جو روحاني يُمكِّن ضيوف الرحمن من التفرغ للعبادة وأداء الفريضة بأقل قدر من العناء وبأيسر السبل.. وبأعلى درجات الاطمئنان والراحة. ومن تعاليم الحج الكبرى كما شرعها الله سبحانه وتعالى في محكم التنزيل «لا رفث ولا فسوق ولا جدال في الحج» ومن التزم بذلك وأدى المناسك كاملة كما ينبغي عاد كما ولدته أمه بحجٍ مبرور ودعاءٍ مقبول ومستجاب بإذن الله تعالى. والواجبات -كما هو معلوم- تشمل سلسلة من الفعاليات تبدأ مع الحاج من بيته أينما كان، وتصل الذروة بالوقوف على صعيد عرفات يوم الحج الأكبر، وتنتهي بإذن الله تعالى في المكان الذي بدأت منه، ومن أداها وتدبر معانيها كما ينبغي كتب له الأجر والثواب بإذن الله العلي القدير جل جلاله وعظم شأنه. واستقبال الحجيج في هذا العام يتطلب مزيدًا من التركيز على الجوانب الأمنية وهنا ينبغي أن تُكثَّف وسائل التوعية بأهمية الانضباط والالتزام بالتعليمات لضمان مصلحة كافة الحجاج الذين أتوا لأداء فريضتهم -الركن الخامس من أركان الإسلام- والأغلبية العظمى منهم يأتون للمرة الأولى ومن حقهم علينا أن يجدوا ما يسرهم ويمكنهم من أداء الفريضة وهم آمنين مطمئنين، ليعودوا إلى ديارهم سالمين غانمين بإذن الله تعالى. وبجانب التهيؤ لمهام الحج.. يحتل جانب نظافة الإنسان والمكان بصفة مستمرة -وعلى مدار الساعة خلال أيام الحج- أهمية قصوى من بداية الحج إلى نهايته حيث أنها مسؤولية جسيمة تتطلب: تعاون وتوعية والتزام واستمرارية بدون تهاون.. لأن ذلك يصب في مصلحة كافة الحجاج الذين ينبغي توعيتهم بأن النظافة جزء هام من واجبات المسلم، وهو شريك مع الجهات المعنية في مسؤولية الاعتناء بنظافة أماكن العبادة ومرافقها في رحلة أداء فريضة العمر كما سنّها الإسلام على كل مسلم ومسلمة. وقد شوهد في الأعوام الماضية ظاهرة الافتراش والهدر الذي عادة ما يُصاحب تواجد الكثافة العددية الكبيرة في مكانٍ معين بدافع الحرص الشديد على تأمين الكميات اللازمة من الماء والغذاء بدون أي تقصير.. ولكن إدارة الحجيج المعنية بالتنظيم وانسياب الحركة بين المناسك يقع عليها عبء كبير في الحد من الإسراف في استخدام المياه والمواد الغذائية، وذلك بدون شك لمصلحة الجميع ويقلل من أعباء النظافة التي يتطلبها الموقف. وعلينا أن نشد على أيدي كافة المسؤولين عن استعدادات الحج وكافة المشاركين في جهود خدمة ضيوف الرحمن في كافة المرافق الخدمية والإدارية صغيرهم وكبيرهم - بدون استثناء- ونتمنى لهم التوفيق ولكل حاج القبول والاستمتاع برحلة العمر التعبدية وكل عام وأرض الحرمين وأهلها وزوارها بخير. [email protected] [email protected]