سياسة نتنياهو الصاخبة لم تؤدِ فقط إلى تأجيل أي ضربة محتملة لإيران بل دفعت الولاياتالمتحدة للتأكيد بأنها لا تنوي توجيه مثل هذه الضربة ولن تسمح لإسرائيل بأن تفعلها رغم أن إسرائيل لا تملك القدرة على ذلك. في حديث مع «نيويورك تايمز» في بداية شهر آب قدر رئيس الموساد السابق، افرايم هليفي، بأن إسرائيل كفيلة بأن تهاجم المنشآت النووية الايرانية في «ال 12 اسبوعا القريبة المقبلة»، وأن «لو كنت ايرانيا لتخوفت جدا». وبالفعل، ليس للايرانيين ما يدعوهم للقلق. صحيح أنه بقي شهران لتحقق ذلك، غير أن السياسة الفاشلة لرئيس الوزراء لم تؤدي فقط الى تأجيل الهجوم العسكري لزمن طويل (او حتى تماما) – بل ان ما يراه، يسمعه ويفهمه الإسرائيليون، رآه، وسمعه وفهمه الايرانيون ايضا. ان التلميحات «المتشددة» غير المنقطعة بشأن «الهجوم فورا» أثارت في اسرائيل جدالا صاخبا. وأعرب معظم أعضاء الحكومة بشكل أو بآخر عن معارضتهم للهجوم. ومعظم المتحدثين من أوساط الجمهور - خبراء، محللين وغيرهم من ذوي الرأي - أعربوا بالقطع عن موقفهم ضد العملية العسكرية. وانضم الى الجدال مسؤولون سابقون في جهاز الامن، ولا سيما أولئك الذين اعتقدوا بأن نتنياهو من شأنه أن يهاجم حقا، وبعضهم بالتأكيد من المطلعين، لم يعارضوا العملية فقط بل أعربوا عن الشك في قدرة اسرائيل على تنفيذها. جدل واسع انطلق أيضا من الغرف «المغلقة» لجهاز الأمن وأنصت الايرانيون وقدروا، عن حق، بأنه لن تتجرأ اي حكومة في اسرائيل على التورط في خطوة عسكرية بهذا التعقيد وهذه المخاطر، التي تواجه خلافا سياسيا، تنفيذيا وجماهيريا شديدا. بالتوازي مع الجدال الاسرائيلي الداخلي، حاول رئيس الوزراء حث الولاياتالمتحدة على عمل عسكري فوري. ومن أجل «التغلب» على موقف الادارة السلبي واجبارها على العمل، حاول نتنياهو، في توقيت دقيق من حملة انتخابات أمريكية صعبة و «متلاصقة»، «تجاوز الرئيس» والتوجه الى محافل تأثير من خارج الادارة. وسائل الاعلام، الخصوم السياسيين، والمتبرعين ذوي النفوذ وما شابه. هكذا بحيث أن موضوع اسرائيل والنووي الايراني اندرج في حملة الانتخابات. هكذا انتهكت المبادىء الاساس في علاقات اسرائيل والولاياتالمتحدة: الحرص على ان يتم المضي قدما في الشؤون الاسرائيلية في الولاياتالمتحدة حصريا من خلال الادارة، اقامة علاقات نزيهة ومتساوية مع الحزبين الخصمين والامتناع عن التدخل في الخلاف السياسي الامريكي الداخلي. إن انتهاك هذه المبادىء والمحاولة الإسرائيلية (التي لم تنجح حقا) «لغرس» الموضوع الايراني في قلب العاصفة السياسية الأمريكية، أخرجت الادارة عن طورها. وأحد المظاهر البارزة لذلك هو الموقف الذي شرح فيه وزير الدفاع بانيتا ورئيس الاركان دمباسي في ظهور علني مشترك بأن عمليا ليس لاسرائيل قدرة على العمل بشكل حقيقي لتدمير النووي الايراني. وما أن فشل نتنياهو في مساعيه لحث الولاياتالمتحدة على العمل، حاول اجبارها على رسم «خط أحمر». وقد رد الطلب الاسرائيلي بحزم، وان كان بصوت رقيق بعض الشيء. ولكن نتنياهو بقي على حاله: مطالبة صاخبة، تطرح في كل فرصة ممكنة، ب «خط أحمر» امريكي، كانت ذروتها في خطاب «الرسم» في الاممالمتحدة. والآن لم يعد الرد «رقيقا» بهذا القدر: وقال هنري كيسنجر بسخرية ان مقرري السياسة في الولاياتالمتحدة لا يحتاجون الى «مقاول ثانوي»، والرئيس اوباما أعلن باستخفاف بأن سياسة بلاده تقررها المصلحة الامريكية في ظل صد «ضجيج الخلفية». ولا أتذكر متى «حظي» مطلب سياسي اسرائيلي في موضوع بهذا القدر من المركزية بلقب «ضجيج خلفية».