الحمد لله, والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه, أما بعد،،، معنى هذه القاعدة الفقهية أن الحلال والحرام قد يتنازعان فرعا من الفروع الفقهية, بحيث يبدو مترددا بين الحل والحرمة, فتأتي هذه القاعدة بمثابة قانون لهذا النوع من الفروع, وهو تغليب جانب الحرمة؛ احتياطا وتورعا, ومما يستدل به لهذه القاعدة قوله صلى الله عليه وسلم: «الحلال بيِّن، والحرام بين، وبينهما أمور مشتبهات, لا يعلمها كثير من الناس، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع فيها وقع في الحرام، كالراعي يرعى حول الحمى, يوشك أن يرتع فيه، ألا وإن لكل ملك حمى، ألا وإن حمى الله محارمه», رواه البخاري ومسلم وأحمد والنسائي وأبو داود والترمذي وابن ماجه. ولهذه القاعدة تطبيقات كثيرة, منها إذا تجاذب المسألة دليلان: أحدهما يفيد الحل, والآخر يفيد الحرمة, فحسب هذه القاعدة تقدم الحرمة على الحل, ومن الأمثلة القديمة لهذه الجزئية الجمع بين أختين بملك اليمين, فقد أفاد قوله تعالى: «وأن تجمعوا بين الأختين إلا ما قد سلف» حرمة الجمع بين زوجة وأختها, وأفاد قوله تعالى: «أو ما ملكت أيمانكم» إباحة مس المرأة المملوكة بدون قيد, فسأل رجل سيدنا عثمان بن عفان رضي الله عنه عن الأختين من ملك اليمين، هل يُجمع بينهما؟ فقال عثمان: «أحلتهما آية، وحرمتهما آية, فأما أنا فلا أحب أن أصنع ذلك», فخرج الرجل من عنده، فلقي رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسأله عن ذلك, فقال: «لو كان لي من الأمر شيء، ثم وجدت أحدا فعل ذلك, لجعلته نكالا», قال ابن شهاب: أراه علي بن أبي طالب, رواه مالك. ومن تطبيقات هذه القاعدة ما لو اشتبهت على الرجل امرأة محرَّمة عليه بنساء أجنبيات محصورات, كأن يعلم الرجل أن له بنتا في قرية ذات عدد قليل من النساء, فلا يجوز له أن يتزوج منهن؛ تغليبا للحرام على الحلال. ومنها الزواج بامرأة أحد أبويها كتابي (يهودي أو نصراني) والآخر غير كتابي (هندوسي أو بوذي أو ملحد أو غير ذلك), فلا يجوز الزواج بها ولا تحل ذبيحتها؛ تغليبا للحرام على الحلال. ومنها ما لو أسلم الكافر وعنده أكثر من أربع زوجات, فلا يجوز له مس إحداهن إلا بعد تعيين أربع منهن أو أقل؛ لأن كل واحدة منهن يتجاذبها الحلال والحرام, قال صلى الله عليه وسلم لغيلان الثقفي عندما أسلم وعنده عشر زوجات: «أمسك منهن أربعا وفارق سائرهن», رواه مالك وأحمد والترمذي وابن ماجه.