مؤخرًا، وعلى مساحة نصف صفحة لإحدى الجرائد، أعلن مستشفى خاص في جدّة عن نفسه بطريقة.. ولا أروع! إذ أهْدَى كلّ مولود وُلِدَ فيه يوم ذكرى توحيد الوطن جنيهًا من الذهب الخالص، وهذا لَعَمْركم كرمٌ يغار منه الكُرماء، وعلى رأسهم حاتم الطائي!. أنا أجهل نوع الذهب المُهْدى، ولهذا سأفترض بسبب الكرم غير المسبوق أنه الأعلى جودةً وسعرًا، يعني عيار 24، وعليه فقيمة الجنيه الهدية هي 1600 ريال تقريبًا، حسب أسعار بورصة الذهب الحالية!. إذن 1600 مبروك للمواليد وذويهم، مع رجاء أن يعفوا عني لأني مضطرٌ لمزْج هذه المباركة مع 1600 مُواساة، لهم، ولي، ولمَن اطّلع على الإعلان، فبعض مستشفياتنا الخاصة، وكما أنّ وراء كلّ رجل عظيم امرأة، فإنّ وراء كلّ هدية منها، أو كشف، أو تحاليل، أو توليد، أو تخدير، أو عملية جراحية، أو علاج، أو إسعاف طوارئ، أو حتى خطأ طبي أفضى إلى عاهة أو وفاة، فاتورة عظيمة التكلفة، وأنا متأكد مليون في المئة أنّ هذا المستشفى قد جَنَى من وراء هديته أضعاف تكلفتها!. وفواتير هذه المستشفيات فيها طلاسم وألغاز، ومن المستحيل على غيرها أن يقرأها، ويعرف أوجه المغالاة فيها، وهي تشبه الرسائل المُشفّرة للجواسيس أيام الحرب الباردة بين أمريكا والاتحاد السوفيتي الغابر، أو محفظة لهامور أسهم لا يفقه الناس العاديون منها شيئًا، لكنه يربح بها الملايين، كما تحتاج لجيش من المُحلّلين ليفكّوا أسرارها، وينطبق عليها المثل بأنّ الشيطان يكمن في التفاصيل، وهي تجعل الناس لا يخشون المرض لِذَاتِه، بل لِفُحْشِ تكلفة علاجه، وهذا مرض نفسي جديد، أقترح على وزارة الصحّة تسجيله في منظمة الصحة العالمية، كمعلومة مُهْداة من الناس المضحوك عليهم للذقون، لعلّها تجد علاجًا له، وقد تسبّب في ظهوره لدينا الطبّ الذي طغت عليه التجارة، فاستفحلت تكلفته، وتكاثرت أخطاؤه كما تتكاثر في حسابات الوكالات التجارية نهاية كلّ عام، لدرجةٍ وصفه الناس بمفردة غريبة على اللغة، وخليط من كلمتي (الطب والتجارة) هي (طِجَارة)!. ومع كلّ بِدْعة (طِجَارية) من بعض مستشفياتنا الخاصة ونحن ب 1600 خير!. تويتر: @T_algashgari [email protected] @T_algashgari [email protected]