* هاتفني صديقي العقيد علي بن كدم القحطاني، وهو أحد قرائي الفضلاء، وكعادته قال لي بلغةٍ قويةٍ: "اكتب عن الأرصفة العريضة والمرتفعة، والتي أكلت نصف شوارعنا".. كان حديثه مملوءًا بحبّه للوطن، وكلنا يفترض أن نكون مثله في حرصنا وحبّنا، وبقينا هكذا في حوار ممدود حتى وصلنا إلى قناعة؛ بأن الأهم من ارتفاع الرصيف وعرضه هو أن يكون هناك نمو ملموس في وعي المواطن، ليبدو الملتزم بآداب السير واحترامه للأنظمة المرورية، وهو أهم بكثير من منعه من القفز على الأرصفة بزيادة ارتفاعها، وأن توعيته والاهتمام بذهنيته هو أهم بكثير من الاهتمام بالمكان أو بالشوارع أو الأرصفة، لأنني أرى -وأنتم كذلك- مناظر مسيئة ومربكة ومخجلة، ومخالفات بآلاف الريالات، ومعارك ومشادات ومضاربات، كان آخرها ما حدث بالأمس، ذلك المشهد الذي أخذ مكانه بعد وقوع حادث سير، فإذا بأحدهم يحمل عصاته من سيارته؛ وينطلق بالسرعة القصوى لينال من الآخر، مع أن الحكاية كلها حادث سير لا يستحق كل ذلك العنف، لكن مصيبتنا هي في تفكير وعقول بعض منّا، التي ما تزال تعيش جاهلية القرون البائدة، وتصر على انتهاك حقوق الآخرين والتعدّي على حرياتهم بالقوة، وهي حقيقة أظنها لا تزال تحاصرنا، وهي السبب الأول الذي دفع بالقائمين على المدن القيام ببناء أرصفه عالية، بهدف الحفاظ على سلامة الآخرين، أمّا سبب زيادة مساحاتها وعرضها وطولها فهو سؤال مُحيِّر، والأولى هو زيادة عرض الشارع، لكي يسهم في تسهيل السير والتخفيف من الزحام، أمّا أن تكون الأرصفة أعرض من الشوارع، فتلك هي حكايتنا، والتي ربما تكون إحدى غرائب الدنيا..!! * الفكرة تلك هي ليست لي، بل هي لصاحبها الذي اختارني لتنفيذها، والسبب الثاني هو أن من حقه عليَّ أن أطرح فكرته طالما أنها جديرة بالاهتمام، والكل يعلم أن الفكر للجميع، والوطن للجميع، وأن علينا أن نهتم بكل ما يهم الوطن، ونتعامل معه بحرص شديد، لاسيما وأننا مازلنا نعيش أفراح يومنا الوطني الذي نريده أن يكون يومًا مختلفًا في حضوره الباذخ لهذا العام، وكل عام، وما تلك العناية إلاّ صورة من صور الحب الخالد للوطن، الذي يجب علينا أن نحميه ونحبه ونحرسه من كل أعدائه، وكلِّ مَن يُؤذيه أيًّا كان الأذى، فهل نفعل ذلك؟ وهل نبقى للأبد مع الوطن ضد كل أعدائه؟ وهل نمارس في تعاملنا مثالية الحب وسمو المشاعر مع أثمن ما في الحياة، وحين يكون حبنا له كذلك تكون عقولنا مملوءة بالخوف عليه من كل شيء، وتكون حياتنا كلها لخدمته ومن أجله، ويكون عشقنا للنظام شيئًا عاديًّا، حتى ولو كان الرصيف نصف سنتيمتر أو لا وجود له، لأن أمن الوطن، وسلامة أهله هي عملٌ صالحٌ يفترض أن يحيا في ذهن كل مُحب للوطن وكل مخلص له..!! * (خاتمة الهمزة).. العقول الجافة هي تلك العقول التي تعتقد أن في الخروج على الأنظمة حياة، وهو الموت المُحقَّق، ولا شيء أجمل من أن تكون مع القانون لا ضده.. هذه خاتمتي ودمتم. [email protected]