المقصود بالإعلامِ الجديدِ، أو الإعلامِ الاجتماعي الإعلام الذي يصلُ إلى المتلقي عن طريق أدوات التواصل الاجتماعي الحديثة مثل: الإنترنت، والفيس بوك، والتويتر، واليوتيوب، ورسائل الجوال sms وغيرها... وهو بالطبع، كغيره من أدوات التقنية الحديثة، سلاح ذو حدين، حدّه الخطير يتمثّل في إمكانية إيصاله مادة أو معلومة غير صحيحة أو مفبركة، أو رسالة إعلامية مخطط لها بعناية من قبل جهات مشبوهة؛ بقصد إثارة الرأي العام، أو التأثيرعليه سلبًا على نحو ما حدث مؤخرًا فيما يتعلّق بالحوادث المؤسفة التي أعقبت عرض الفيلم المسيء لرسول الله سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام، واستهدفت الاعتداء على السفارات والقنصليات الأمريكية في عدة بلدان عربية، والتي وصلت في حالة الاعتداء على القنصلية الأمريكية في بنغازي إلى مقتل أربعة من الدبلوماسيين الأمريكيين بما في ذلك السفير الأمريكي. الإساءة للإسلام ورموزه ليست الأولى من نوعها، ولن تكون الأخيرة، فقد دأبت بعض وسائل الإعلام الغربية التي تديرها الأصابع الصهيونية على استفزاز مشاعر المسلمين بين الحين والحين لأهداف خبيثة، وكان الملاحظ دائمًا أن تأتي الإساءة بشكل لا يظهر فيه اليهود، أو المسيحيون المتطرفون بأنهم الجهة الوحيدة التي تقف وراء هذا النوع من الجرائم الإعلامية -إن صح التعبير- فعلى سبيل المثال كانت رواية "آيات شيطانية" المريبة التي صدرت قبل نحو ربع قرن لكاتب بريطاني مسلم من (أصل هندي)، هو سلمان رشدي، أمّا الفيلم المسيء الجديد فقد قام بإخراجه وإنتاجه وتمويله أمريكيون أقباط. في الحالة الأخيرة يمكن بسهولة إثبات أن الفيلم استخدم طعمًا للإساءة إلى العالم الإسلامي كله، وتأكيد الصورة التي حاول الإعلام الصهيوني في أعقاب هجمات 11 سبتمبر الإرهابية ترسيخها لدى الرأي العام الغربي بإلصاق تهمة الإرهاب والتطرف والتعصب بالمسلمين. في معمعة الأحداث الدموية التي أعقبت عرض الفيلم المسيء يمكننا طرح السؤال المهم: هل يمكن لهذا النوع من حرية الرأي الذي يتعلل به الغرب لممارسة هذا النوع المقنن من الإساءات المتعمدة للعالم الإسلامي أن يخدم المصالح الأمريكية، أو أن يساهم في خدمة حوار الثقافات والأديان، أو يساهم في تحقيق السلام والاستقرار في المنطقة؟ عند الإجابة عن هذا السؤال ينبغي أن نتذكر كيف اكتشف الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش أن العالم يكره أمريكا، وكيف حاول تصحيح هذه الصورة من خلال تعيين مساعدة لوزيرة الخارجية الأمريكية (كاترين هيوز) مهمتها تحقيق هذا الهدف تحت شعار كسب معركة العقول والقلوب. بل إن الرئيس أوباما نفسه وضع هذا الهدف ضمن أولوياته مع بداية تسلمه للحكم عندما استهل أول جولة خارجية له لمخاطبة العالم الإسلامي من القاهرة واسطنبول. يمكن التوصل في محاولة الإجابة عن هكذا سؤال القول إن الفيلم لا يخدم مصالح الغرب بقدر ما يخدم أنصار المؤيدين لنظريات صموئيل هنتنجتون، وفرنسيس فوكوياما من اليهود والمسيحيين المتطرفين التي تؤكد مقولة الشاعر البريطاني كيبلنج قبل نحو نصف قرن: "الشرق شرق، والغرب غرب ولن يلتقيا". سؤال آخر يفرض نفسه في نفس السياق: ما السبيل لتجاوز هذه الإشكالية؟ الإجابة بسيطة للغاية: كما صدر قانون في فرنسا يحظر على السيدات ارتداء الحجاب يمكن إصدار قرارات مماثلة في أمريكا وأوروبا تحظر الإساءة إلى الأديان والأنبياء والرسل. من جهة أخرى غني عن القول إن من حق المسلمين أن يغضبوا لهذه الإساءة الموجهة لرسول الله عليه الصلاة والسلام، لكن الانتصار لخاتم الأنبياء والمرسلين لا يكون بالاعتداء على الأنفس المعصومة بدون حق، ولا بتدمير المنشآت والممتلكات، وإنما بأسلوب يعكس أخلاقيات الإسلام ومبادئه العظيمة، وهو ما نفتقر إليه حتى الآن.