اتفق المشاركون في ندوة «تجربة الكتاب» التي أقيمت يوم صباح أمس ضمن الفعاليات الثقافية ل(عكاظ 6) على ضعف حركة الترجمة، حيث وصف عضو مجلس الشورى السعودي الدكتور سعد البازعي واقع الترجمة العربية من اللغات الأخرى ب»البائس الذي لا يرقى إلى ما هو مطلوب منه مقارنة بالثقافات العالمية الأخرى التي تحتل الترجمة لديها ركيزة أساسية»، ومحملًا جهات عدة مسؤولية الخروج من هذا التأخر مثل الجامعات والمراكز البحثية والعلمية وغيرها من الجهات الأخرى التي لابد أن تعنى بموضوع الترجمة، مشددًا في الوقت ذاته على أن العبرة بالكيف وليس الكم في أمر الترجمة، وهو ما ذهب إليه الدكتور عدنان الوزان بتأكيده على أن الترجمة لابد أن تكون عملًا جماعيًا لكي تبلغ درجة الكمال، وهي لازمة حياتيه في الفكر والثقافة والسياسة والاقتصاد والاجتماع وسائر الجوانب الأخرى، مبينًا أنها أصبحت ضرورة ملحة في هذا العصر لمعرفة النصوص الأخرى والاهتمام بها والكتابة عنها. فيما أشار السوري الدكتور محمد زياد كبة إلى أن الترجمة هي النافذة التي نطل من خلالها على الحضارات والشعوب الأخرى وهي الوسيلة المناسبة للتقارب معها، مستبعدًا وجود أي ترجمة مثالية في الساحة وإنما هي مقاربات قد لا تدخل في عمق النص المترجم وتكشف عن كل أسراره. البازعي قدم ورقته تحت عنوان «قلق الترجمة» أشار فيها إلى أن القلق دائمًا ما يعتري أي عمل في الترجمة، فنقل أي نص من لغة إلى لغة أخرى لابد من الإلمام بخلفيات العمل المترجم وبالثقافة النابع منها، مبينًا أن توترات اللغة وقلق الإبداع وملبسات الثقافة والتباسات الرؤية هي المسيطرة على العمل المترجم، فالوقوف على الاختلاف هو المصدر الرئيس للقلق، مستطردًا أنه لو تأمل كثير من المترجمين صعوبة العمل لما استسهلوه وقذفوا بأعمالهم يمنة ويسرة، فالترجمة تقوم على مفارقة واضحة فهو يخدم سيدين الأول المؤلف للنص الأصلي والثاني هو القارئ باللغة المترجم إليها ومن الصعب إرضاؤهما معًا. فيما أوضح الدكتور وزان أن الترجمة فن وعلم ومهنة، مستشهدًا بقول أحد النقاد الايطاليين أن الترجمة عمل خائن، ويكمن ذلك في غياب المعرفة والخلفيات الثقافية للنصوص، وأضاف أن الصعوبة في الترجمة تتدرج من الأصعب إلى الأسهل فترجمة المصطلحات مثلًا أو الشعر قد تختلف عن ترجمة معاني القرآن الكريم، وتكمن هذه الصعوبة في نقل اللفظ من لغة إلى لغة أخرى. واستشهد بالإمام السيوطي في القرن العاشر الذي ألف كتابين لهما علاقة بموضوع الترجمة وهما «الفارق بين المصنف والسارق»، و»التعريف بآداب التأليف»، مضيفا أن الترجمة بحاجة إلى الدربة والدراية والمعرفة، مبينًا الفرق الكبير بين الترجمة المكتوبة والمنطوقة وهو فرق قد لا يعيه كثير من المترجمين، وهذا ما يجعله متفقا مع ما ذهب إليه البازعي في أن الترجمة لابد أن يصاحبها شرح أو تفسير لما يترجم. واختتمت الندوة بورقة للدكتور كبة، الذي أوضح ان الترجمة نشاط قديم جديد وله شروطه ومتطلباته، فإذا نقلت إلى لغة أخرى خف بريقها وتراجع إبداعها فالمترجم يسعى إلى الوصول للإيقاع اللغوي الأصلي، وحينما قدم إلى المملكة وجد المناخ المناسب لمزاولة عمله في الترجمة، واستطاع ترجمة 8 كتب في مجال علم اللغة. مشيرًا إلى أهم اللحظات الكئيبة في بداية عهده بالترجمة كانت في أثناء دراسته الأكاديمية وذلك بسبب النقد اللاذع الذي وجه لعمله الأول وافتقاره إلى المعايير الترجمية المهمة ولكن ما قدمه بعد ذلك لم يواجه مثل ذلك النقد وحالفها النجاح، أما اللحظات السعيدة فهي حينما حصل على جائزتين عالميتين الأولى من معرض الكتاب السابع والعشرين بالكويت، والثانية على جائزة الشيخ زايد للكتاب عن كتاب «الثروة واقتصاد المعرفة» من منشورات جامعة الملك سعود، مختتمًا حديثه بأن الترجمة عمل جاد لا يتأتى بسهولة ومحفوف دائمًا بالصعاب، وهو بحاجة إلى صبر ومثابرة حتى يتجسد في النهاية على شكل كتاب يدعم المكتبة والثقافة العربية والعالمية.