قيل الكفاية عن لماذا تسيّد الإخوان المسلمون المشهد المصرى بعد انتفاضة يناير، ولا بأس من التذكير والتأكيد على أهم الأسباب من وجهة نظري، وهو تجريف الحياة السياسية على مدى قرون، مما أدى إلى جدبها وتصحرها واغتيال حيويتها، على مستوى الممارسة كما على مستوى التفكير والوعي، في بيئة كهذه يكفي الشعار ذو الارتباطات الوجدانية لكسب سباق صناديق الاقتراع، بينما ليس لشعار الدولة المدنية هذه الارتباطات، علاوة على أنه خارج الخبرات التاريخية التى شكّلت وعي ولا وعي الجماعة، دون أن يحظى بفرصة التأصيل النظري المبين لأهميته بسبب التجريف المشار إليه، غني عن الذكر أن شعارات الإخوان لم تحظ بتأصيل، ولنفس السبب، غير أنهم مع سواهم من تيارات الإسلام السياسي استفادوا من ارتباطات شعاراتهم بالوجدان. لجماعة الإخوان المسلمين خصوم كثر، مع ذلك ليس للجماعة منافسين عند الاحتكام للصناديق. عن كل الأحزاب خارج التيار السياسي الديني لا تستطيع أن تقول أكثر من أنهم علمانيون، أي يعارضون استغلال الدين في السياسة، هذا تقريبًا لا يقول شيئًا عنهم، وهم لا يقولون شيئًا عن أنفسهم، لأنهم مشغولون طيلة الوقت بمهاجمة الإخوان بكافة الأساليب غير المشروعة في المنافسة السياسية، هي غير مشروعة لأن الإخوان لم يحوزوا بعد السلطة ولا الوقت الكافي لممارستها ما يتيح الهجوم المشروع. جميع تلك الأحزاب بلا استثناء (على الأقل لا أعرف استثناءات) أسّسها أفراد لأغراضهم السياسية، لا تتجاوز شعبيتها مؤسسيها وزمرة المتعاونين معهم، قد تجد بين الناخبين من يمنحها صوته ليس عن اقتناع، إنما لأنه من خصوم التيارات الدينية، قلت لك إن خصومها كثر، لكنهم بلا مظلة حزبية قادرة على استقطابهم. ما زالت تلك الأحزاب تغالط فى إدراك مشكلتها، فتردها تارة إلى عدم وعي الناخبين، وتارة إلى تفتت تلك الأحزاب وعدم ائتلافها في تحالف يحقق توازنًا مع الأحزاب الدينية، وكلا التارتين نقص إدراك لا يخلو من ظل حقيقة. فأقصى ما قد يحققه ائتلافها تجميع لأصوات الناخبين من خصوم التيارات الدينية، دون أرضية شعبية صلبة تقف عليها. بعضهم يقول لو كسب الإخوان الانتخابات التالية فسيكون ذلك بمثابة تسليم البلد المفتاح للإخوان!.. هكذا يرون السياسة، يرونها سباقًا للاستئثار بالسلطة!، فكرة المعارضة غائبة تمامًا عن مخيلتهم، بما ينم عن جهلهم بأبجديات الديمقراطية، وبأنهم كغيرهم أسرى نموذج تاريخي لم تطالب انتفاضة يناير بشيء سوى تجاوزه!، وبذلك أثبتت الجماهير بلا وعيها (وهى نقطة في منتهى الغرابة) بأنها أصح إدراكًا من وعي لاعبي السياسة، ولن تمنحهم ثقتها، طالما هم معزولون عنها يضنون عليها حتى بعرض أفكارهم بالمنهجية المقنعة، إن كان عندهم مثل تلك الأفكار، ولا أظنها لديهم، لو كان عندهم شيئًا منها لظهرت عبر إعلامهم الذي لا تنقصه الإمكانيات، إلا الإمكانيات الفكرية، فلو كان الفكر موجودًا لوجد الطريقة المناسبة للتعبير عنه. لاحظ أني استبعدت السلفيين من قائمة خصوم الإخوان، لا لأنهم ليسوا بالخصوم، إنما لأن للحديث عنهم سياق آخر.