صعوبة الحديث بشكل منهجي عن التيار الديني في السياسة المصرية لا تعفي من الحديث عنه، من يكتب عن الشأن الجاري في مصر لا يستطيع تجنب الحديث عنه لأي سبب أو حجة. الصعوبة أن السياسة لكي تكون حديثًا مفهومًا يجب أن تستعير بعضًا من العلم، يتيح التحليل والحساب، ولو بأقل من الدقة الرياضية، حديث مترابط مسبب، مقولاته قابلة للملاحظة والقياس، ولذلك لا يمكن استبعاد مبدأ المصلحة عنه، الذي يتيح إعمال مبدأ السببية، بدون المبدئين لن يتجاوز الحديث الإنشاء والشعارات، غير المقنعة إلا للمقتنع سلفًا، أو غير الباحث عن اقتناع. للشعارات دور في السياسة، ولعله مهم، إلا أنها لا تطرح إلا بعد التأصيل النظري المؤدي إلى الوضوح، والتجريب العملي المؤدي إلى التثبت والتأكد، الشعارات بلا وضوح أو يقين قصيرة النفس والجدوى، مع ذلك كانت الشعارات كافية أن يحصد التيار السياسي الديني شعبية جارفة عبّرت عن نفسها فى انتخابات نزيهة، شعبية استندت إلى إحسان الظن، إلا أنه سيجد نفسه مطالبًا عاجلًا قبل آجلًا بما أعفته عنه ظروف الماضي، مطالب بعرض نظري مقنع لا يستغني بالشعارات عن تحليل الواقع، وببرهان عملي أعانه الله عليه. لا أعرف القوى الاجتماعية التي يمثلها التيار، وبالتالي المصالح المرتبط بها، فلن أتحدث عما لا أعرف، هو عندي تيار سياسي موجود وله أحزابه، التي أبرزنها حالة شعبية (وجدانية وذهنية) عريضة محكومة بظروفها المؤقتة. سأتحدث عن مصلحته هو كأحزاب يهمها التواجد والاستمرار على الساحة. نفترض فرضين بقدر من اليقين يزيد أو يقل.. الأول مستمد من شعاراته كحزب، تدعونا إلى القول بأنه يسعى إلى بناء دولة العدل والإيمان، وهي دولة يستحيل أن تكون إلا عصرية، ليس فقط متلائمة مع العصر، بل تسابقه، هذا فقط ما يجعلها مشروعًا مستقبليًا يرتبط استمرار وجود الحزب به، وبدونه لا مستقبل للحزب. الفرض الثاني الديمقراطية، على خلاف من يقولون بأن ارتباط أحزاب التيار بالديمقراطية غير صادق ومرحلي، أقول العكس، إذ لا وجود سياسي لهذه الأحزاب بدونها، فإما هي أو المعتقلات والقمع الذى خبروه في الماضي، لا خيار ثالث إلى جانب الديمقراطية أو المعتقلات إلا التخلي عن الطموح السياسي.. واقع الأمر أن البدائل أمام جميع الأحزاب من مختلف التيارات قليلة ومحصورة، لأن القضية ذات الأولوية النابعة من المشكلة الآنية التى يواجهون واحدة، ولا تحتمل عديد من الإجابات، وإجابتها سهلة نظريًا، لكونها تُعبِّر عن مصلحة تحظى بإجماع شعبي، يكون الجواب صعبًا عندما تتعدد الإجابات بسبب تناقض مصالح القوى الاجتماعية، بينما جميع القوى الآن ذات مصلحة مرحلية واحدة، في دولة عصرية مؤسسة على العدل. هذا بالضبط نفس مطلب الأحزاب العلمانية، مرة أخرى لأن المشكلة واحدة، وجوابها وحيد.