(بهجة العيد)، كان هذا حديثًا إذاعيًّا ضافيًّا لأخي الفاضل وزميلي العزيز الأديب الرائع، والشاعر المبدع الأستاذ الدكتور محمد خضر عريف، وقد استمعت إليه قبل يومين من إذاعة البرنامج الثاني من جدة، فقلت جاء في وقته، وأعني بذلك موضوع الحديث، والذي كان حول عيد الفطر السعيد، وبهجته، والاحتفاء به قديمًا وحديثًا، مع التركيز على التواصل الاجتماعي الحميمي الذي كان سائدًا بكثير من الدفء بين أبناء المجتمع من أهل وأرحام وجيران، وحرصهم على التلاقي الجميل، والتزاور المباشر في أيام العيد، تذكرت هذا الحديث، واستدعى في بالي الكثير من المعاني الجميلة عن عيد الفطر المبارك كما عهدناها صغارًا، أو سمعناها من الآباء والأجداد، خاصة وأن عيد الفطر في منطقة مكةالمكرمة له نكهة خاصة، ومظاهر متفردة، وطقوس جميلة لدى أهلها الذين -شرّفهم الله عز وجل- منذ القدم بخدمة حجاج بيت الله الحرام، فينشغلوا في موسم الحج في هذه الخدمة العظيمة، فلا يجدوا وقتًا كافيًا للاحتفال بعيد الأضحى المبارك، فلم يبقَ لهم إلاَّ عيد الفطر السعيد ليحتفوا به مع أهلهم وأبنائهم وجيرانهم، بل ويحتفل به المجتمع كله بكل براءة، وعفوية، وبكل بهجة وحيوية، فتنشغل ربات البيوت بتنظيف المنازل، وتجديد الفرش، أو الأثاث قبل العيد بعدة أيام، والآباء ينصرفون إلى شراء مستلزمات العيد من إفطار للأهل والأحباب إلى حلويات العيد الشعبية التي تقدم لعموم الزائرين المعيّدين، ثم الحرص على خروج الجميع نساءً ورجالًا شيبًا وشبابًا وأطفالًا لأداء صلاة المشهد (صلاة العيد) متحلّين بأفخر الثياب كالعمة والصديري والغبانة للرجال، وكان لابد من أداء صلاة المشهد في بيت الله الحرام لا في مساجد الأحياء قبل التوسع المطرد لمكةالمكرمة، وازدحامها بأضعاف أضعاف أهلها من المعتمرين الذين أصبحوا يقيمون بها طيلة شهر رمضان المبارك وحتى بعد عيد الفطر، وبعد أداء صلاة العيد لابد من حضور جميع أفراد العائلة لبيت كبير العائلة أبًا أو جدًّا، خالًا أو عمًّا لاجتماع العائلة على مأدبة فطور العيد التي تزدان وتتزين بأكلات شعبية لا تُعَد وتُطهى إلاَّ في هذه الأيام مثل الدبيازة والزلابية والمنزّلة وغيرها، وبعد فطور العيد، واجتماع كل أفراد العائلة الكبيرة على مائدة كبيرة واحدة، ينصرف الجميع لمعايدة الجيران والأهل والأقارب والأرحام من الصباح حتى المساء مع ضرورة تناول القهوة، وحلاوة العيد كاللوزية والحلقوم في كل بيت مع تقديم ما تيسر من ريالات (عيدية) هدية معايدةً للأطفال الصغار كلٌ يقدمها على حسب مقدرته المادية ليجمعها الصغار، ثم ينفقونها أجرة لألعاب الملاهي الشعبية التي تجهز في ساحات بوسط الأحياء الشعبية (الحواري)، ومنها ألعاب المراجيح التي كانت تشهد إقبالًا كبيرًا من الصغار والكبار على حد سواء. أما في المساء فتجهز ساحات الحارات لأداء الفنون والألعاب الشعبية أمام مركاز عمدة كل حي لتقديم عروض التراث الشعبي كالمزمار والخبيتي والأهازيج المخصوصة بالعيد. ويستمر التزاور الاجتماعي اللطيف، واحتفالات العيد البريئة لأربعة أيام، أو أكثر في جو بهيج من الألفة والمحبة والدفء النادر الوجود هذه الأيام. هذه ملامح مختصرة ولمحات وضّاءة لبهجة العيد في الماضي القريب. [email protected]