دائمًا ما كان يَعنُّ لي تساؤل وجودي طوال دراستي لتاريخ صدر الإسلام وهو: أين هم الأنصار في تاريخنا الإسلامي المبكر؟ أين أولئك القوم في ذاكرتنا، وهم الذين قد ساندوا الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بأنفسهم وأموالهم، بأرضهم وعرضهم؟ أين أولئك الرجال الذين استبسلوا في الدفاع عنه في معركة بدر الكبرى، وكانوا حصنه الحصين في أحد، حين لم يبق معه أحد من المهاجرين سوى علي بن أبي طالب وسعد بن أبي وقاص، وثبتوا معه في حنين، حين نكس عنه الكثرة الكاثرة من المسلمين؟ أين هم من قد جعل النبي من نفسه وهو خاتم الأنبياء والمرسلين، وسيد الناس أجمعين، تابعا لهم، حين قال وهو في جعرانة بعد معركة حنين: أترضون أن يذهب الناس بالشاة والبعير، وتذهبون أنتم برسول الله، ثم أعقب وقال: والله لو سلك الناس شِعبا، وسلك الأنصار شعبا آخر، لسلكت شِعْبَ الأنصار؟ أين من قرن النبي كمال الإيمان بمحبتهم، حين قال: حب الأنصار إيمان وبغضهم نفاق؟ أين أولئك القوم أفرادا وجماعات في ذاكرتنا التاريخية والحياتية؟. بكل أمانة وموضوعية أقول بخوف كبير: أخشى أنه ليس لهم تلك المكانة المستحقة في وجداننا للأسف الشديد، وفي تصوري أنه لولا اقتضاء الحال والضرورة بسبب هجرة نبينا عليه الصلاة والسلام إلى ديارهم، لما تمت الإشارة إليهم أساسا، وليت التجاهل قد اقتصر على فترة العهد الأموي وحسب، بل أراه قد امتد إلى اليوم، حتى أني وطوال متابعتي لمسلسل عمر، لم أجد ما يستحقه الأنصار من مشاهد تفي بحقهم، في الوقت الذي لم ينس فيه القائمون حشد العديد من المشاهد لعدد من طلقاء قريش، الذين فُرض عليهم الإسلام يوم فتح مكة، وكأني بهم قد حصروا الدين والجهاد والصبر والمروءة عليهم. والسؤال: هل كان ذلك راجعا إلى تعرض الأنصار لحالة متعمدة من الإقصاء والتهميش؟ أم أن الأمر على غير ذلك؟ ثم، مَن المستفيد من إخفاء دورهم التاريخي والجهادي؟ ومَن وراء ذلك التجهيل المُبرمج بحقهم، وهم من أوجب الله محبتهم؟ أسئلة أظن أنها تحتاج إلى مراجعة منا وتدبر، وتحتاج أكثر إلى أن نكون موضوعيين ونحن نبحث في الإجابة عليها، إذ آن الأوان اليوم لأن نحرر -كباحثين- تاريخنا الإسلامي من قيد الجمود المذهبي، والتبعية الأيديولوجية، والرقابة السلطوية الأموية، تلك التي أخافت أبي هريرة من أن يقول كل الحقيقة، إذ يروي البخاري في صحيحه عن أبي هريرة أنه قال: حفظت من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعاءين: فأما أحدهما فبثثته، وأما الآخر فلو بثثته قطع هذا البلعوم. [email protected] [email protected]