في مقالها الرائع الموسوم ب«المنافقون الحركيون اليوم.. أتعرفونهم» المنشور في صحيفة الوطن، سلطت الأستاذة حليمة مظفر الضوء على موضوع خطير في النظام العبادي والفكري للإسلام، وهو موضوع المنافقون، الذين حذر الله منهم في محكم كتابه في عديد من المواضع، حتى أنه أفرد لهم سورة خاصة بهم للدلالة على عظم خطورة تواجدهم بين صفوف المسلمين، ومدى تأثيرهم السلبي على حقيقة صفاء المشروع الإلهي؛ لأجل ذلك كان حرص النبي صلى الله عليه وآله وسلم على ربط سلوك المنافقين بصفات عملية، ليسهل كشف حقيقتهم، حيث ورد عنه أنه قال: «آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا أؤتمن خان»، وفي رواية أخرى أنه قال: «أربع من كنَّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها: إذا أؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر»؛ لكن ومع كل ذلك فقد تمرس أولئك المنافقون على مداراة حقيقة مشاعرهم البغيضة وحنقهم على الدين الإسلامي الحنيف، إلى الدرجة التي لم يستطع النبي من كشف عديد منهم، وهو ما تشير إليه الآية الكريمة بوضوح في قوله جل وعلا: (وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ المَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفَاقِ لا تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ). في مقابل ذلك فقد أفرد الله سورة لبيان حال المؤمنين، وفصَّل جُزءً كبيرًا من أحوالهم وسلوكهم في كثير من آيات الذكر الحكيم، وأكد نبيه صلى الله عليه وآله وسلم في عديد من المواضع على مظاهر حقيقة الإيمان وجوهره السلوكي الصادق، للتفريق العملي بين حالة الإيمان المستحقة وحالة النفاق، ومن ذلك ما أورده ابن هشام في سيرته أن سفانة بنت حاتم الطائي قالت وهي في أسرها: «يا رسول الله، هلك الوالد، وغاب الوافد، فامنن علي، منّ الله عليك، وخلِّ عني، ولا تشمت بي أحياء العرب، فإن أبي كان سيد قومه، يفك العاني، ويعفو عن الجاني، ويحفظ الجار، ويحمي الذمار، ويفرج عن المكروب، ويطعم الطعام، ويفشي السلام، ويحمل الكَلَّ (الضعيف)، ويعين على نوائب الدهر، وما آتاه أحد بحاجة فرده خائبًا، أنا بنت حاتم الطائي، فقال النبي عليه الصلاة والسلام: «يا جارية، هذه صفات المؤمنين حقًا، ثم قال: «خلوا عنها فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق». هكذا يمكن القول أن النص الإلهي والتشريع النبوي قد أكدا على أهمية تحقيق مظاهر السلوك العملية الصادقة في شخصية الإنسان لبيان حالته الإيمانية من عدمها، وحذرا في الوقت ذاته من الاغترار بالركون إلى الشكل الظاهري في الحكم على الناس، وهو للأسف ما أصبح يمثل ظاهرة في التفكير الديني، على الرغم من تلاوتنا المتكررة لتحذير الله من المصلين ظاهرًا، الساهون عن صلاتهم فعلًا وسلوكًا كما ورد في قوله تعالى: (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ* الَّذِينَ هُمْ عَن صَلاتِهِمْ سَاهُونَ* الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ* وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ). إن أخطر ما نعيشه في الوقت الراهن كأمة إسلامية كامن في حالة الانجراف الجماعي صوب تبجيل الشكل الظاهري حين ممارسة فقه العبادات، ودون الاهتمام بتأمل مدى مطابقة المظاهر الدينية لحقيقة وجوهر ما أراده الله وحض عليه نبيه عليه الصلاة والسلام من سلوكيات عملية يجب توفرها في الشخصية الإيمانية، وهو ما يريد إشاعته المنافقون ضمن ثنايا تفكيرنا الإيماني، وواقع مجتمعنا الحياتي، ليصبح الاهتمام بممارسة المظهر العبادي، الأصل الرئيسي في حياتنا الدينية، ولينجرف بعدها أبناء مجتمعنا خلف مظاهر عبادية مفرغة من جوهر سلوكها الوجداني، والسؤال أمام هذه المعطيات هو: هل انتهت سورة المنافقون حتى يتم تعطيل تطبيق مقاييس النبي العملية لبيان الفروق بين الحالة الإيمانية السلوكية وحالة النفاق المظهرية؟!. [email protected]