لماذا ارتبط شهر رمضان بالنوم في نهاره والسهر في ليله؟ ولم ارتبط الخمول والكسل بهذا الشهر؟ وما أثر التغيرات التقنية والاجتماعية على ظاهرة السهر؟ وما أثر السهر على الصائمين والاستفادة من شهر رمضان المبارك؟ الليل سكينة في البداية أوضح عضو الجمعية الفقهية السعودية الدكتور حمود بن محسن الدعجاني أن من حكمة الله وسنته في خلقه أن جعل الليل محلًا للنوم والراحة، والنهار للعمل والكسب، كما قال تعالى: «هو الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه، والنهار مبصرًا، إن في ذلك لآيات لقوم يسمعون). ففي الليل سكينة وقرار ونوم وراحة، وفي النهار نشاط وعمل واجتهاد وهكذا جاء في السنة التحذير من السهر فعن أبي برزة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كان يكره النوم قبل العشاء، والحديث بعدها». وسبب كراهة الحديث بعدها أنه يؤدي إلى السهر, ويخاف منه غلبة النوم عن قيام الليل أو عن صلاة الصبح، ولأن السهر في الليل سبب للكسل في النهار عن الطاعات، ومصالح الدنيا وخاصة في نهار رمضان، ويستثنى من الكراهة ما إذا وجدت الحاجة للسهر أو كانت فيه مصلحة راجحة كسهر الإمام في مصالح المسلمين أو السهر لمدارسة العلم, ومحادثة الضيف، ومحادثة الرجل أهله وأولاده للملاطفة أو للمسافر والمصلي لقوله صلى الله عليه وسلم: «لا سمر إلا لأحد رجلين: لمصل، أو مسافر». والنوم نعمة من نعم الله العظيمة ولكن في هذه العصور ومع وجود الكهرباء وانتشارها واختراع التلفاز ووسائل اللهو أخل كثير من الناس بما سنه الله تعالى ورسوله من النوم المبكر فيذهب البعض إلى ما يلهيه ويشغله إلى ما بعد منتصف الليل إما مع جمع من الأصدقاء للحديث في أشياء لا طائل ولا فائدة منها، وإما أمام الانترنت والقنوات الفضائية التي تبث برامجها على مدار اليوم؛ فالواجب على المسلم أن يحفظ وقته فيما ينفعه في دينه ودنياه لا سيما في شهر رمضان المبارك لأنه قد لا يدركه مرة أخرى. ويقسم عضو الجمعية العلمية السعودية لعلوم العقيدة والأديان والفرق والمذاهب الشيخ الدكتور نهار بن عبدالرحمن العتيبي النوم في رمضان إلى ثلاثة أقسام: القسم الأول النوم المحرم: وذلك إذا كان هذا النوم سببًا في تأخير الصلاة عن وقتها, وهذا في حق من كان ديدنه النوم عن الصلوات ليس لمرة أو لمرتين, وإنما ديدنه النوم في كل رمضان هو النوم عن الصلاة أو ربما جميع الصلوات فينام بعد الفجر ولا يصحو إلا مع أذان المغرب أو ربما بعد المغرب. وأما لو نام المسلم مرة أو مرتين أو نحو ذلك بغير اختياره فإنه يصلي الصلاة التي نام عنها. والقسم الثاني: النوم أغلب اليوم في رمضان مع أداء الصلاة في وقتها, وهذا الفعل خلاف سنة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد كان عليه الصلاة والسلام ينام الليل, ويعمل ويسعى في النهار, وكان عليه الصلاة والسلام لا يمنعه الصيام من العمل بل إنه كان يغزو في رمضان, وكان من أهم غزواته غزوة بدر وغزوة الفتح وكلتاهما في رمضان. القسم الثالث وهو النوم في وقت محدد فقط دون الإخلال بالصلوات ودون النوم كامل اليوم, كالذي ينام في القيلولة مثلًا, فقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقيل ويقول: «قيلوا فإن الشياطين لا تقيل». وبناء على ذلك فإن على المسلم أن يعمل بما أوجب الله تعالى عليه وأن يؤدي الصلوات في أوقاتها, وأن يحرص على اتباع سنة النبي صلى الله عليه وسلم بالنوم في الليل وعدم الإكثار من النوم في النهار وخاصة في نهار رمضان, وعلى أن يكون شخصًا عالمًا منتجًا, لا كسولًا خاملًا عالة على أمته ومجتمعه. شهر العبادة ومن جانب آخر يرى المشرف العام على موقع حياة الإسلام الدكتور حمد بن إبراهيم الحريقي أنه اشتهر عند بعض الناس أن رمضان هو شهر النوم والكسل حتى إن بعض الناس من يأخذ إجازة من عمله لا لشيء ولكن ليكن أكثر نومًا في شهر العبادة والطاعة. ولا نقول بتحريم النوم في رمضان ولكن فرصة عظيمة ولحظات محسوبة لا تضيع في النوم ولو قلنا إن رمضان (720) ساعة راح نصفها في النوم والربع في الأكل والجلوس والذهاب والإياب. فكم بقي للعبادة؟ وأشار الحريقي إلى أن السهر سبب كثرة النوم حيث ثبت شرعًا وطبًا فوائد النوم في الليل؛ فمن لم ينم أربع ساعات في الليل احتاج إلى أن ينام ثماني ساعات في النهار ليعوض هذا النقص. ودعا الحريقي إلى الحرص على النوم في الليل للاستفادة من بقية ساعات رمضان في الطاعات والخيرات؛ فرمضان ساعات معدودة ومحدودة سرعان ما تنتهي، والسعيد من سابق في الخيرات في شهر البركات. وأكد عضو الدعوة بالرياض الدكتور تركي العقيل أن ربط رمضان بالنوم الكثير يعد خسارة كبرى، وأن نوم الليل يعطي الجسم قوة وعافية خاصة النوم أول الليل، وتعمد السهر في ليل رمضان على اللهو واللعب يؤدي إلى النوم الكثير والخمول والكسل لأن الجسم لم يأخذ كفايته من النوم في الليل. التحايل على النفس ومن جانب اجتماعي يرجع الباحث الاجتماعي صالح بن سعد السبيعي هذه المشكلة إلى التغيرات التي صاحبت المجتمع وما زالت تؤثر فيه حتى اليوم من وجود قنوات فضائية ومراكز تجارية ومطاعم وخدمات ترفيهية مسائية بالإضافة إلى تقنية التواصل العالمي عبر الانترنت وغيرها من الوسائل التي ظهرت في المجتمع وأثرت في سلوكه ومنها السهر الطويل في الليل الذي أصبح من العادات لدى الأسرة. وأشار السبيعي إلى أن هناك أيضا مفاهيم مؤثرة حول النوم في نهار رمضان ونجدها في الغالب لدى كبار السن توارثها الأبناء وهي تلك التي تربط شهر الصيام بالنوم في النهار والسهر والأكل في الليل، وهو نوع من التحايل على النفس بأن الصوم يتطلب راحة للبدن فيحتاج للنوم في نهار رمضان، وهذا المفهوم نتاج تراكمات مفاهيم حول صيام رمضان وخاصة عندما يكون في فترة الصيف واشتداد الحرارة. وأضاف الباحث الاجتماعي أن هناك سببًا آخر يؤثر في كثير من أفراد المجتمع وهو الخوف من العطش والجوع والتعب أثناء نهار رمضان فيلجأون إلى النوم في نهار رمضان. ولعل هذا نتيجة عدم تناول أكلة السحور التي تعطي الجسم طاقة كافية حتى أذان المغرب، وبفقدانها يشعر الفرد بالعطش أو الجوع فيعوض ذلك بالنوم أثناء النهار. لذلك فنحن بحاجة إلى إعادة تنظيم وترتيب هذه المتغيرات لتحقيق التوازن المطلوب في الحياة، كما أن على وسائل الإعلام المختلفة ومؤسسات التربية وأئمة المساجد والعلماء والأدباء دور كبير في توعية المجتمع وإعداد البرامج التي تكفل هذا التنظيم وتغير المفاهيم السلبية.