إذا كنت تعتقد أن أمريكا غزت العراق للبحث عن أسلحة التدمير الشامل فأنت واهم جدًا، وإن اعتقادك ليس في محله، فالأسباب والدوافع الحقيقية لهذا الغزو لا يتصورها العقل، بل هي خارج حدود الخيال، وخارج حدود كل التوقعات السياسية والمنطقية، ولا يمكن أن تطرأ على بال الناس العقلاء أبدا؟! هذا ما يقوله الصحفي الفرنسي جان كلود موريس، الذي كان يعمل مراسلاً حربيًا لصحيفة "لوجورنال دو ديماش" من 1999 إلى 2003. في كتابه بعنوان: (لو كررت ذلك على مسامعي فلن أصدقه)، الذي يتناول أخطر أسرار المحادثات الهاتفية بين الرئيس الأمريكي جورج بوش الابن والرئيس الفرنسي السابق جاك شيراك، والتي كان يجريها الأول لإقناع الثاني بالمشاركة في الحرب التي شنّها على العراق عام 2003، بذريعة القضاء على (يأجوج ومأجوج) الذين ظهرا في منطقة الشرق الأوسط، وتحقيقا لنبوءة وردت في كتبهم (المقدسة). فقد كان بوش الابن، كما يقول الكاتب، من أشد المؤمنين بالخرافات الدينية الوثنية البالية، وهو مهووس بالتنجيم والغيبيات، وتحضير الأرواح، والانغماس في المعتقدات الروحية المريبة، وقراءة الكتب اللاهوتية القديمة، وفي مقدمتها (التوراة)، ويدعي أنه يتلقى رسائل مشفرة يبعثها إليه (الرب) عن طريق الإيحاءات الروحية، والأحلام الليلية. هذا الهوس الديني الذي كان يحمله بوش سبقه إليه أيضًا الرئيس الأمريكي السابق رونالد ريغان الذي كان متأثرًا إلى حد كبير بالمعتقدات التوراتية المتطرفة وبالأفكار الدينية، التي تؤمن بها الحركة المسيحية-الصهيونية، وبخاصة تلك التي تتعلق بالشرق الأوسط. وقد كان يرى ضرورة توجيه ضربة لروسيا التي يختبئ فيها يأجوج ومأجوج؟! وكانت أمنية الرئيس ريغان أن يضغط على الزر النووي لتفجير معركة الهرمجدون (Armageddon)، التي يعتبر انفجارها شرطاً مسبقًا لتحقق نبوءات التوراة؟! هذه الأفكار المنحرفة والهوس الديني يتغلغل في قلب أكثر من 1200 كنيسة إنجليكانية تحمل العداء للإسلام والمسلمين، وتؤمن بأن القضاء عليهم هو الخطوة الكبرى لتحقيق وعد الرب لإقامة دولة إسرائيل الكبرى. وقد جندت هذه الكنائس (80) ألف قسيس، و(20) ألف مدرسة لاهوتية، و(200) كلية لاهوت، ومئات المحطات التلفزيونية. لنشر عقيدة (الهرمجدون)، وإقناع الناس وتلاميذ المدارس الابتدائية بحتمية وقوع المنازلة الكبرى في الشرق الأوسط، ومما يثير الفزع أن تلك القوى الشيطانية تمتلك السلطة والنفوذ وصناعة القرار في أمريكا. وهكذا فإذا كنا نعاني في مجتمعاتنا الإسلامية من بعض الأفكار المتطرفة فإنها تظل بسيطة في تأثيرها الذي لا يتعدي، للأسف الشديد، إيقاع الأذى بمجتمعاتنا من الداخل. أما أصحاب الأفكار المتطرفة في الغرب فهم أكثر تآلفًا وتفاهمًا علي تحديد عدوهم الخارجي. وأعتقد أنه لا يفهم المجنون إلا مجنون مثله، ولا يواجه المتطرف إلا من يحمل نفس عقيدته. لكن من المؤسف أن نرى أفكار التطرف تجد مزارع خصبة في بعض العقول حتى ولو قادت إلي فناء العالم. * نافذة صغيرة: (لم أصدق أن هذا الرجل بهذا المستوى من السطحية والتفاهة، ويحمل هذه العقلية المتخلفة، ويؤمن بهذه الأفكار الكهنوتية المتعصبة، التي سيحرق بها الشرق الأوسط، ويدمر مهد الحضارات الإنسانية.) جاك شيراك. [email protected]