قبل يومين أو ثلاثة وصلتني رسالة تهنئة بقدوم شهر رمضان من أحد الأصدقاء؛ فَكّرت بعدها في الحكمة من صيام هذا الشهر؛ وما الذي تريد هذه الشعيرة أن تَغْرِسه في نفوس المسلمين؛ طبعاً غَنِيٌ عن القول أنها عبادة واجب على المسلم أن يلتزم بها دون مبررات أو تفسيرات، ولكن ظاهرٌ أنها مدرسة في الصّبر، وأنْ يشعر الغني بحاجة البائس الفقير. فلسفَة الصوم عجيبة؛ فتلك العبادة هي الوحيدة التي تجمع المسلمين( عموم المسلمين) على توقيت واحد؛ نعم الحج له أيامه؛ لكن لا يقوم به المسلمون كافة! أما الصوم فيمارسه كل المسلمين في شهر واحد من السنة مع حالات شاذة قسمتها التيارات الفكرية؛ فبعض الأقليات الإسلامية في أمريكا والدول الأوربية يختلف بداية ونهاية صوم أفرادها أو جالياتها باختلاف رؤية الدول التي تتبع لها فكرياً؛ لكنّ المؤكد أنّ الصوم يجمع المسلمين! الصوم من أسمى معانيه الروحانية وروح المحبة التي تجمع الأسرة الواحدة ويكفي أنه يجمع شَتَات أوصالها على مائدة الإفطار؛ وقد فرقتها طبيعة الحياة ورِتمها السريع؛ وتقنيتها التي تُفَرّق ولا تَجْمَع! فكما قال أحدهم: إذا أردت أن تَجمع الأسرة الواحدة في بيتها؛ فَافْصِلْ عنها شبكة الإنترنت ليخرج كلٌ منهم من عالمه أو زاويته؛ أما فريضة الصوم تفعل ذلك، وَتَصِلُ دون فَصْل. في ظل تلك المعاني السامية والقِيَم النبيلة ما رأيكم أن نقوم في رمضان هذا العام بتجربة تطهير النفوس من تفاصيل الحياة وشوائبها ب ( الإفْطار )؟! نعم الإفطار مع قَريب أو جَارٍ أبعدته عَنّا موجات عارضة من الغضب، أو صَدِيْقٍ نأت به عن دنيانا حادثة عابرة أو محطة نسيان صنعها الزمن. تعالوا نتعرف على قيمة الصّحة؛ فَنُفْطِر يوماً مع مرضى في مَشْفَى؛ فنكون لهم أَشِقّاء ، ولدائهم خير دواء! هلموا نحْمِل قبيل المغرب إفْطَارنا إلى دار أيتام أو عَجَزة؛ لِنَزرع في دنياهم الفرحة والبهجة، ونكون نحن لهم الأُسْرَة! بالله عليكم دعونا نستقبل رمضان؛ ليس برسائل جوال مكرورة، أو إيميلات منسوخة؛ ولكن بأن نَغْسِل النفوس بالتواصل الحقيقي والتكامل الاجتماعي مع الأسرة والأقرباء والأصدقاء والزملاء، ومع المرضى والفقراء. ويبقى كل عام وأنتم بخير، كُلّ عام وأنتم الصّفَاء والطّهر والنّقَاء! [email protected]