لن أصوم رمضان في غير الأرض التي شرّف الله أهلها بصيام رمضان وقيامه، وأرجو الله ألا يحرمني من متعة قدسية الصوم في هذه البلاد الطاهرة طيلة حياتي، إذ في هذه البقعة المباركة كان الصيام الأول، والقيام الأول، ثم انتشر في سائر البلاد التي دخلها الإسلام بهجة روحية تعرفها كل نفوس المسلمين مثلما نعرفها نحن أهل هذه الأرض الطاهرة. لن أصوم رمضان في غير الأرض التي شرّف الله أهلها بصيام رمضان وقيامه، وأرجو الله ألا يحرمني من متعة قدسية الصوم في هذه البلاد الطاهرة طيلة حياتي، إذ في هذه البقعة المباركة كان الصيام الأول، والقيام الأول، ثم انتشر في سائر البلاد التي دخلها الإسلام بهجة روحية تعرفها كل نفوس المسلمين مثلما نعرفها نحن أهل هذه الأرض الطاهرة. ** ** ** وفي هذا العام حيث شدة القيظ تتصادف مع هذا الشهر الكريم ألح عليَّ بعض الصحاب أن أرافقهم وأسرتي إلى حيث يقضون عطلتهم الصيفية خارج البلاد الإسلامية لكنني أبيتُ ذلك بقناعة، وصدق شعور، ورغبة في متعة روحية حقيقية صادقة تعودت عليها منذ صغري، ففي البلاد التي يقصدونها إن توفر حسن المناخ، فلن تتوفر روحانية العبادة، ومتعة النفس بالصيام الجميل الذي يشارك فيه كل الناس حولك. ** ** ** ما أحلى أذان المغرب في أيام رمضان والكل مجهز للإفطار، والكل لاهج بالدعاء.. فدعاء الصائم عند إفطاره لا يرد، ما أحلاه والأسرة مجتمعة، لا مجال لتفاوت أوقات تناول الطعام، وما أجمل الصغار الصائمين والمفطرين وهم يجتمعون حول الأسرة فرحين سعداء. ** ** ** هو شهر واحد غير مكرر في العام، حتى إنه لعظمته وتفرد أحواله، لم يذكر إلا مرة واحدة في القرآن الكريم (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن) متعة في صلاة التراويح والقيام تفوق أعظم الأفراح، وتزيد سعادة الروح فيها عن أكبر الاجتماعات واللقاءات.. إن رمضان وقد اختص أيضاً بالسحور - حيث قال الحبيب المصطفى - صلى الله عليه وسلم - (تسحروا فإن في السحور بركة) خارجين بهذا السحور عن نمط الحياة العادية، نحذر أن يستمر أكلنا حتى ظهور الخيط الأبيض، ثم نتأهب لصلاة الفجر، وكم ترى المساجد عامرة، ووفادات المسلمين وكثرتهم الدائمة فيها في كل الأوقات ما لا تراه في أي شهر أو يوم آخر. ** ** ** القرآن الكريم نزل في رمضان، ولقراءته في رمضان مكانة في النفوس، لذا فالمسلمون شبه عاكفين في المساجد، فهم لا يتركون المسجد كعادتهم بعد الصلاة في غير رمضان، وإنما هم متواجدون عابدون قارئون للقرآن قبل الأذان وبعد الصلاة. ** ** ** ما أحلى هذه الظاهرة الايمانية الصادقة التي هي إفطار صائم، عشرات بل مئات من وجبات الإفطار لأهل الخير تملأ ساحات المساجد في كل البلاد الإسلامية، وما أروعها خاصة في الحرم المكي، والمسجد النبوي، هي للفقراء والمغتربين وغيرهم، إنها صفة خاصة بالمسلمين في رمضان وفي بلادنا أخص. إن لرمضان فلسفة أكثر من الشعور بوطأة الرمضاء أو الجوع والعطش، إنما هو صوم عن كل شر ومكروه، وفيه يختفي أهل الشر والعصيان مهابة منه، فهو رادع لكثير من الناس عن عمل السوء أو الجهر به، فكثير ممن يجرفهم الشر في عامة الأيام هم في شهر رمضان ملتزمون بآدابه، والإقلاع عن الفساد فيه، حتى وإن كانوا ممن لا يتمسكون بكل آداب الإسلام في عامة الأيام. ** ** ** ومن أجلّ فلسفات الصوم أنه يعلِّم الجود، ويبسط الأيدي بالصدقات.. وقد جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ما معناه: إن الصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير.. على أن الصدقة في الجو الايماني - كرمضان - تفيد المتصدق أكثر مما تفيد الآخذ، ذلك لأن فائدتها للآخذ تكاد تكون فائدة مادية وحسب - إذ تكون بالنسبة له علاجاً للجوع. أما بالنسبة للمعطي فإنها تفيده في الدنيا، وتفيده في الآخرة، أما فائدتها في الدنيا فإن الله سبحانه لا يخلف عليه بالمثل فقط بل بأضعاف مضاعفة.. فقد قال تعالى: (وما أنفقتم من شيء فهو يخلفه)، والحسنة بعشر أمثالها، وقوله تعالى: (مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مئة حبة ، والله يضاعف لمن يشاء، والله واسع عليم). ** ** ** ولقد عرف أسلافنا فضائل الخير والصدقات، فقال عمر بن عبدالعزيز - رضي الله عنه - واصفاً فضل العبادات في التقرب إلى الله: «الصلاة تبلغك نصف الطريق، والصوم يبلغك باب الملك، والصدقة تدخلك عليه». عرفوا ذلك فتنافسوا في البذل والإنفاق وهم متسابقون في الصلاة والصيام. ** ** ** إن هذا الشهر العظيم فرصة سانحة لأن نراجع القيم العظيمة في ديننا، ونتفهمها، ونجعلها منهجاً قويماً لحياتنا.. خاصة في هذا العصر الذي تمر بنا فيه عواصف تكاد تقتلع القيم من جذورها لولا ثبات الايمان عند أهله، وتجدد ذلك في رمضان. ** ** ** أرجو الله أن يمنّ على الدعاة والمربين بأن يكشفوا في وعظهم ودروسهم عن قيم الإسلام العظيمة، وأن يثبتوها بسلوكهم وصدق معاملتهم، وأن يتركوا إطالة الحديث والتفصيل الذي لا داعي له في الأمور التعبدية المعروفة، وإنني لأشعر بالأسى حين أسمع المواعظ التقليدية، والخطب المكررة، في حين أنه يجب تركيزها على المعاني العظيمة والمقاصد النبيلة للإسلام عامة، والصوم خاصة، ومدى تغير الناس بالمستجدات الدنيوية، وما تمليه ظروف العصر من تبدلات سلوكية، وإثبات أن هذا الدين العظيم صالح لكل زمان ومكان؛ فهذا أهم من حكم وضع القطرة في العين في نهار رمضان، وما يشابه ذلك من صغير الأمور. وتمسكاً بهذه المعاني العظيمة لهذه الشعيرة فلن أصوم رمضان إلا في بلادي.. بلاد رمضان. ** ** ** وفقنا الله جميعاً إلى الخير والصواب والأخذ بأسباب القوة مهما غلا ثمنها، اللهم اجعل صدورنا سليمة معافاة، وأمدنا يا ربنا بتأييد من عندك وتسديد.