بات من الثابت أن كارثة مصر الكبرى الآن ليست هي الأمن الذي بدأ يستعاد، ولا القضاء الذي يطهر نفسه من جديد، ولا الاقتصاد الذي بدأ يعود!. أصبح من الواضح أن كارثة مصر القومية الآن هي "الإعلام"!. ولعلك تلاحظ أن لواءات الأمن المساجين والمجروحين لم يصمدوا طويلاً أمام الشعب، ناهيك عن النفس اللوامة التي تعتمل بالتأكيد في هؤلاء اللواءات وأسرهم التي لا ناقة لهم ولا جمل فيما جرى من فتنة وصلت إلى حد "النيشان" على عيون الثوار!. وفي مجال القضاء، كانت الغلبة وما زالت بحمد الله للمخلصين الشرفاء والأمناء، وبدأت بالفعل عمليات تطهير ذاتي، ومراجعات لكثير من القضايا والملفات، ناهيك عن إحساس المصريين بالظلم الذي وقع على القضاء والقضاة على يد رموز الدولة الأسمنتية الذين تسابقوا في إعدام وحرق الأدلة!. وحده إعلام الدولة الأسمنتية ما زال يعمل عمله في الحيلولة دون التفاف جموع الشعب واصطفافهم في مواجهة الثورة المضادة.. وفي ذلك تتعدد الأسباب.. تابع معي كيف انهار وينهار رجال وتلاميذ اللواء حبيب العادلي، مغلبين مصلحة الوطن التي هي بالتأكيد مصلحتهم، ومصلحة أبنائهم وأحفادهم على المصلحة الضيقة والمؤقتة.. فإن وجد بعض "الفلول" في هذا القطاع، فإنهم يعملون خفاء وفي السر الذي يخفونه حتى عن زوجاتهم المصريات الأصيلات!. تأمل معي كيف ذهبت أموال طرة التي يضخها الاقتصاديون الوهميون الذين تاجروا في أرض وعرض مصر- أدراج الرياح.. وبافتراض أنها -الأموال- ما زالت تعمل فهي أيضًا تعمل في الخفاء! هكذا تسقط كل يوم قلاع وحصون "أمن النظام" و"تجار الدولة"، فيما يظل إعلامهم صامداً بل وفاجراً في العداء للثورة إلى حد السخرية منها، والكيد لها، والترويج ضدها!. لقد كان من المنطقي بعد الثورة أن تطرد العملة الجيدة نظيرتها الرديئة.. حدث ذلك في الأمن، وفي الاقتصاد، وفي القضاء، وفي السياسة، حتى أن الثورة تحولت بقدرة الله وحمايته إلى كيان حي يلفظ كل الأمراض التي تلحق به، وفي ذلك حدث ولا حرج.. جنرالات سقطوا، واقتصاديون انكشفوا، وقضاة تواروا، وساسة انفضحوا.. لكن هذا الأمر لم ينطبق على الإعلام.. حيث طردت العملة الرديئة نظيرتها الجيدة، وتساقطت أوراق الورد واحدة تلو أخرى بحيث لم يتبق للشعب سوى القليل.. بل القليل جدًا من سلالة النبل، من القابضين على وطنيتهم، والمكفرين عن ماضيهم! وزاد من حجم الكارثة، سقوط كثيرين كانوا ثوارًا قبل الثورة، في حبائل المكر لها، تحت تأثير المال!. ومن المضحك المبكي كذلك أنهم في محاولتهم اليائسة للهروب من غضبة يؤلفون الروايات عن ضبط مخدرات في سيارة فلانة، وأقراص في جيب فلان، منادين أو متنادين للتصدي لمحاولة قتل الإعلام الحر!! مع ذلك، أو رغم ذلك، لماذا نلوم مدينة الإنتاج الإرهابي، وقد وصلت المجاهرة بالعداء للثورة إلى حد تخصيص منصة شهداء أكتوبر 1973 للتعبير عن العداء لشهداء يناير 2010؟!. [email protected]