إذا كانت العلاقات الأمريكية الروسية قد شهدت فترة هادئة وتميزت بعلاقات دافئة في فترة حكم الرئيس دميتري مدفيديف، فإن هناك بوادر بأن الدفء أخذ يتحول شيئا فشيئا إلى برودة بدأت تسري في جسد هذه العلاقات مع بداية فترة الحكم الثانية للرئيس فلاديمير بوتين بسبب إصرار الولاياتالمتحدة على تنفيذ خططها الرامية إلى نشر الدرع الصاروخية في أوروبا من جهة، والخلاف في موقف واشنطنوموسكو بشأن سورية وإيران. وهكذا فإن واشنطن تجد نفسها على خلاف شديد مع روسيا فيما يتعلق بقضايا تتراوح من سورية وإيران إلى الدفاع الصاروخي وحقوق الإنسان. ولا يبدي بوتين استعداداً للتراجع عن خطابه المناهض للغرب ومواقف ميزت مسيرته. وكان بوتين قد كتب في واحدة من مقالاته، التي نُشرت في إطار حملته الانتخابية، منتقدا بشدة سياسة "العصا الغليظة" التي استخدمها الغرب في ليبيا، وفي غيرها من البلدان التي تحكمها أنظمة لا تروق لواشنطن وحلفائها. كما أن الرئيس بوتين لن ينسى لواشنطن تشكيكها في نتائج الانتخابات البرلمانية، وموقف الغرب من الانتخابات الرئاسية الروسية وبذلها جهدا كبيرا للحيلولة دون وصول بوتين لكرسي الرئاسة، وهو ما يرجح أن تشهد العلاقات بين روسيا والغرب تدهورا ملموسا في بداية فترة بوتين الرئاسية. وتجيء قضية نزع الأسلحة الإستراتيجية والحد منها أحد أهم القضايا المشتركة التي أخذت جانباً هاماً من محادثات الطرفين الروسي والأمريكي، والتي يُخشى تأثر وتيرتها نتيجة لتغير الرئاسة في روسيا، حيث تجري المحادثات في هذه القضية بين رئيسي البلدين وتحظى باهتمامهما الشخصي. وتعول واشنطن على أن التوقيع على المعاهدة الجديدة لن يساهم فقط في دفع عجلة العملية العالمية لنزع الأسلحة النووية والتي قد توقفت لعدة سنوات ، بل سيمكّن أيضا من تحريك جمود العلاقات الروسية الأمريكية، وتقريب مواقفهما تجاه الملف النووي الإيراني والموقف من القضية السورية. يبقى أخيراً التأكيد على أن التناقضات بين موسكووواشنطن لا تقتصر على الأوضاع في الشرق الأوسط ولا تنحصر في اختلاف الرؤية بشأن الدرع الصاروخية في أوروبا . فالولاياتالمتحدة ما زالت تطمع، كما يرى العديد من المحللين الروس، في الهيمنة على العالم ، ولذا فهي بحاجة إلى السيطرة على أوراسيا، وتَعتبر إيران وحلفاءها العقبة الرئيسية التي تعترض طريق تنفيذ مخططاتها. أما روسيا التي تطرح على أوراسيا مشروعها التكاملي فلا يمكن أن تتقبل احتمال تقوية الوجود الأميركي على مقربة من حدودها. ومع ذلك، ورغم اختلاف الرأي بشأن المسائل الجيوسياسية، لا يُستبعد حصول اتفاقات تكتيكية بين موسكووواشنطن على مسائل معينة في الأجندة والمسائل الدولية الراهنة. نافذة صغيرة: [المؤسسة الأمريكية السياسية منقسمة بشكل كبير وأحد أطرافها الذي يمثله أوباما يعتقد أن أمريكا بحاجة إلى مساعدة الدول الأخرى وهي مستعدة لتقديم تنازلات لهذه الدول من أجل الحصول على مساعدتها.] دميتري سوسلوف – خبير استراتيجي روسي [email protected]