هل يولد المنشد موهوبًا بالفطرة بحكم جيناته الوراثية؟ أم أن هذا الفن الرفيع صفة مكتسبة، وبإمكان كل صاحب صوت مقبول تعلمها بقليل من الهندسة الصوتية ؟ أم أن هذا الفن يعتمد في المقام الأول على المهارات والخبرات المكتسبة، واللازمة لهذه "الصنعة"؟ ترى.. ما هي رؤية العاملين في حقل الإنشاد لمعايير النجاح في هذا المجال، وهل الموهبة وحدها كافية ؟أم أنها تحتاج إلى مقومات أخرى ؟ بداية أوضح المنشد إحسان مشتاق أن المنشد أولاً لا بد أن يتوفر فيه الموهبة في بداية الأمر سواء أكانت موهبة كبيرة أو بسيطة على أن يطورها مع مرور الوقت بممارسته لها واحتكاكه بمن سبقوه في هذه المهنة والمعروفين على مستوى الساحة الإنشادية، مشيرًا إلى أن تنمية الموهبة ستأتي في نهاية المطاف بمنشد قوي وصاحب أداء فني جاد. وأوضح أن هناك كمًا هائلًا من المنشدين في هذا الزمان :"وهذا ما نرجوه لكن هناك نقطة مهمة لا بد من مراعاتها، وهي ألا تكون لدينا كثرة عددية دون فائدة وحتى لا ينطبق عليهم قوله صلى الله عليه وسلم "غثاء كغثاء السيل". الأداء والحس الفني وأشار مشتاق إلى أنه عند توفر الموهبة لدى المنشد إضافة لأدائه وحسه الفني وقبل ذلك فكره المنضبط فحينها سيكون منشدًا حقيقيًا، وذكر أن المنشد عندما يتميز بالموهبة والإحساس الفذ ولكنه يفتقر للفكر والثقافة فسوف يكون "خاويًا" أو "فارغًا"، وقال: "هنا تكمن المشكلة لأن هذا الزمن وبالذات في المجال الإنشادي لابد أن نكون أصحاب فكر وثقافة عالية تؤكد هوية منشدينا. وعن كيفية إطلاق الحكم على شخص ما بأنه"منشد" ويمثل مجال الإنشاد فتلك مسألة شخصية ووجهات نظره، وقال: "العامل الكبير المؤثر فيها هي تلك القنوات والمنظمات التي من شأنها إبراز ودعم من يستحق لقب منشد" داعيًا جميع القنوات والمنظمات الإنشادية وعلى رأسها رابطة الفن الإسلامي التركيز في صناعة منشدين بتبني أصحاب المواهب وزيادة مهاراتهم وإكسابهم الخبرات اللازمة في هذا المجال. الموهوب والمؤدى أما المتخصص في مجال الإنشاد رأفت جلال فيرى أن هناك فرقًا بين الفنان "الموهوب" وبين الشخص "المؤدي" مشيرًا إلى أن الموهوب هو الذي يجيد فن الإنشاد مستعينًا بذلك على الإحساس بالنغم والجرس الموسيقي للحن والزمن الإيقاعي للجملة والمقطع، فيصبح المنتج الأخير رائعًا و ساحرًا يبهر العقول ويجعل الشخص يستمع لما ينشده ويقوله. وبالنسبة ل"المؤدي" فهو عبارة عن شخص قد يكون صوته جميلًا، ولكن في نفس الوقت يفتقر للعديد من المقومات التي تؤهله ليصبح فنانًا كأن يكون مثلاً كثير الخروج عن الإيقاع و قليل التأثر بأبعاد اللحن وأداؤه لا يشفع له فيه سوى صوته الجميل فيخرج النشيد غير مؤثر في المتلقي. وقال: "إننا نرى كمًا هائلاً من المنشدين سواءً البارزين أوغيرهم، ولكننا في حقيقة الأمر لا نستطيع إطلاق الأحكام عليهم جزافًا، ومن وجهة نظري أن جميع المنشدين يشاركون في إظهار الفن الإنشادي للناس، فبعضهم قد يصيب أحيانًا وبعضهم قد يجانبه الصواب في ما يقدمون، ويظل توجههم لأداء هذا الفن وإظهاره للناس محل تقدير على ألا يكون المسوغ الرئيس لدخولهم هذا المجال هو المال والشهرة فقط مشيرًا إلى أنه في هذه الحالة ستتغير الوجهة كليًا وسيصبح إنشادهم خاويًا وفارغًا من القيم ولن يكون لهؤلاء جمهور حقيقي يبحث عن أعمالهم. وأكد جلال أن الرؤية واضحة في كيفية إطلاق الحكم على شخص ما بأنه يخدم المجال الإنشادي من عدمه، وقال: "إن المنشد الذي يخدم دين الله تعالى وينشر الفضيلة والقيم الحميدة بما يملكه من موهبة الصوت يعتبر من الناجحين في مجال الإنشاد لكن عليه أيضًا تطويرأدواته الفنية". الموهوبون كثر من جانبه أوضح مؤسس فرقة الدانة وعضو الجمعية العربية للثقافة والفنون المنشد الجسيس بكر حسن الفكي أن المنشد أحيانًا يكون صاحب موهبة فطرية، وفي أوقات أخرى تكون موهبته مكتسبة، وأن أغلبية المنشدين يجمعون الصفتين "الموهبة الفطرية والخبرات المكتسبة". وبيّن أن هناك منشدين كثر على مستوى الساحة، وأنه في المقابل هناك أناس دخلاء على أي مهنة، وليس على الجانب الإنشادي فقط، مشيرًا إلى أن أغلبية المنشدين في المملكة على سبيل المثال متميزون وأصحاب أصوات رائعة، أما الدخلاء فهم قلة وتأثيرهم على مستوى الساحة الإنشادية قليل جدًا. واستطرد: "من أفضل الطرق للحكم على الشخص بأنه منشد باجتماع عدة أمور من أهمها أن يكون ذا صوت شجي وجميل إضافة لامتلاكه أسلوبًا وأداءً مميزًا وكلمات هادفة تؤثر في المتلقي، ولكن وللأسف نرى أن بعض المنشدين لا يلتفتون كثيرًا إلى هذه المقومات الفنية الأساسية للمنشد". الموهبة أولاً أما رئيس مجموعة "فرح جدة" الترفيهية جميل العميري، فأشار إلى أن الإنشاد في الأساس يعتمد على الموهبة الفطرية التي يهبها الله للإنسان وأوضح أن المرء يستطيع أن يكتسب هذه المهارات مع مرور الوقت بالتدريب ومعاشرته ومجالسته للمنشدين البارزين. وبيّن العميري أنه لا يمكن الحكم على أي شخص بأنه منشد إلا إذا توفرت فيه بعض الشروط ،ومن أهمها رغبة الناس فى الاستماع إليه وحبهم له إن كان معروفًا على مستوى الساحة، ولكن إن كان المنشد صاعدًا فعليه الاجتهاد حتى يصل إلى مرتبة منشد، وفي نفس الوقت عليه الصبر لأن ورائه مشوارًا طويلًا وهو بحاجة لكثير من الصبر والمثابرة لكي يصل ما يصبو إليه ولكي يستطيع أن نطلق عليه لقب منشد. واختتم العميري أنه يمكن الحكم على شخص ما بأنه منشد ويمثل هذا المجال إن توفرت فيه أهم الشروط، وهي أن يكون ذا صوت حسن، فالصوت أهم عنصر للحكم على المنشد، وله طريقته الخاصة في الأداء ويدرك تمامًا مخارج الحروف، وعلى معرفة بفن المقامات.