يظهر أن التزامن في طول اسم مخرج مسلسل «بين الماضي والحب» قد أثّر فعليًا على طبيعة أحداث وحلقات المسلسل المشار إليه، لتبلغ حلقاته تحديدًا 85 حلقة، في حين كان بالإمكان أن ينتهي المسلسل عند الحلقة 30 لو حافظ المخرج على جانب من مهنيته، لكن يبدو أن ظروف اسمه وربما ضغط المنتج قد فرضا عليه أن يَمُدَّ ويَمًدَّ ويَمُدَّ في مشاهد المسلسل حتى بلغ خمسا وثمانين حلقة، وأظنه كان في نيته أن يَمُدَّ الحلقات إلى ما لا نهاية، لولا أن الله قد تداركنا بلطفه، ليتوقف هدر الوقت والجهد عند هذا الحد، ورجاؤنا كبير أن يقضي بإرادته وعظمته منع ما بات متكدسًا على الساحة الإعلامية من سماجة وسخف، يظن أصحابها أنها فناً. تخيّلت لو أن إرادة الله لم تنجدنا، كيف سيصير حالنا ومفروض على أبنائنا متابعة شيء لا طعم له ولا لون ولا رائحة؟ حتى باتوا لا يحسنون مهارة التذوّق الفني، فهم وللأسف منكوبون طوال هذا العقد بأعمال فنية هابطة في مستواها، ولا تعبّر عن أي قيمة، أو تغرس فضيلة، بقدر ما تشغل الوقت بالسيئ من الأفكار، والناقص من القيم. تخيّلت أيضًا لو أن متلازمة الطول في اسم مخرجنا أكثر من ذلك، ترى ما الذي كان سيحل بنا؟ فنحن قد فرض علينا متابعة 85 حلقة مكررة لمجرد أن حرفين من حروف المد في اسم مخرجنا، وهما الألف في اسمه الأول «عارف» والياء في لقبه الكريم «الطويل»، وبالمناسبة فالطويل هنا لقب حقيقي لعائلته وليس وصفًا لاسمه. حقيقة أحمد الله على أن اقتصرت متلازمة الطول في اسم صاحبنا على حرفين، وإلا ما كنا سنعرف أين ستكون النتيجة؟ وإلى ماذا سينتهي بنا الحال؟ وهنا اسمحوا لي أن أجمع نفسي وزوجتي مع أبنائي، لكوننا نمثل حلقة واحدة شئنا أم أبينا. أعرف أنه ليس المسلسل الوحيد الذي قد بلغ هذا الطول الممجوج، وأعرف أن الساحة مليئة بمثيله من الأعمال الدرامية التي تفتقد لأبسط قواعد المهنية الخلقية، وأدنى مبادئ الحرفية العالية، لكن ما ساءني في المسلسل المذكور أن فكرة التطويل فيه تقوم على تكريس إعادة المشاهد بشكل مُمل، بحيث يشاهد المتابع اللقطة ثلاث وربما أربع وربما خمس وربما ست مرات، لا أبالغ في ذلك، بل لعلي قد قصرت كثيرًا في الوصف. نعم هي الحقيقة المرة، حيث ساقني قدري التعيس إلى متابعة المسلسل في عقدة السبعيني، جراء اهتمام ابنتي به كثيرًا، وأدركت للحظة أن من واجبي أن أتابع ما تتابعه، وتصورت أنني سأحتاج إلى دليل خبير يشرح لي أحداث العمل حتى أتوافق مع توالياته، لاسيما وأني قد ابتدأت المتابعة من الحلقة السادسة والستون ربما، لكنني لم أشعر بحاجة إلى ذلك الخبير، الذي كان سيتمنن عليّ، ويستنزف جيبي بما يشتهي ويريد، إذ كفاني المخرج العظيم بفكرة تكراره للمشاهد كل ذلك، حتى ظننت لوهلة أنه سيحشو الحلقات بلقطات الكواليس، ولو فعلها لكان مبدعًا على الأقل باستحداثه شيئا لم يكن مذكورًا في عالم الدراما والإخراج الفني . على أن التكرار لم يكن مشكلة العمل الوحيدة، إذ وضح قصور العمل عن إنهاء كثير من المشاهد الدرامية بالشكل المناسب، وبدت ملامح السطحية في معالجة كثير من المشاهد، فمثلا يتم التخلص من إدمان المخدرات بمجرد محادثات هاتفية طرفها الأخر صوت أنثوي، وكأن الأمر سهل إلى هذا الحد!.. ما أسوأ هذا التسطيح الغير مقبول أبدًا. كما يتم التعرّض إلى ظاهرة ما يعرف بعبدة الشيطان بشكل سطحي أيضًا، وكان بإمكان المخرج لو تعنى قليلا أن يجعل من الموضوعين السالفين مادة دسمة يقوم بمناقشتها بشكل جاد، وأنا متأكد من أنها كانت ستغطي له الكثير من المشاهد بدل أن يحشو مشاهده بتكرار اللقطات السخيف الذي انتهجه. على أن الممجوج أيضًا يكمن في عدم قدرة العمل على وضع النهايات السليمة لمختلف أعمال الشر، فبمجرد اتصال خارق من بطلة العمل يتم القبض على عبدة الشيطان، وكانت وسيلة الموت هي المخرج لبلوغ النهاية السعيدة لبطلة العمل في آخر المشاهد تصويرا، ولو اهتم العمل بمعالجة الأمر دراميًا لهاتين اللقطتين وغيرهما لأوصل رسالة قيمية عالية المستوى. أيها السيدات والسادة، أيها المنتجون والمخرجون، متى ننتهي من هذه المهازل؟ ونعود إلى سابق عهدنا حين كان للعمل الدرامي قيمته وحكمته البالغة؛ حين كانت تلك الأعمال تعكس فكرة جوهرية في المجتمع، وتسجل لتطور اجتماعي أو سياسي أو اقتصادي نعيشه جماعات وأفرادا؛ في تلك الأعمال ما كنت ترى الإسفاف الخلقي ولا الإسفاف القيمي ولا الإسفاف الفكري، ولذلك فليس سهلا أن ينسى جيلنا «ليالي الحلمية» مثلا، مع العلم أن ذلك العمل العظيم الذي عرض على عدة أجزاء، لم تبلغ حلقاته نصف حلقات مسلسلنا البهي. إنها صرخة أبثها إلى كل غيور على جيلنا، ودعوة لأن ننقذ أبناءنا وبناتنا، وأن نقدم لهم أعمالا تزيد من وجدانيتهم، لا أن تعمد إلى تسطيحها، تنمّي من ذائقتهم الفنية، لا أن تعمل على قتلها في المهد، والأهم أن يخرج المشاهد منها بفكرة قيمية ترسخ في ذهنه، لا كما هو الحاصل الآن حين تسأل أحدهم: ماذا حدث؟ فيجيبك بعدم العلم، وأنه قد نسي ما دار من أحداث، لكونه لم يتحفز ذهنيًا، ومارس عليه الآخر تسطيحًا جاهلا، فما كان من ذهنه إلا أن استكان توفيرًا للطاقة على أقل تقدير. فهل من مصلحتنا أن يظل أبناؤنا على هذا الحال؟