ليسامحني بطلي هذا المسلسل، فأي انتقاد يوجه إليه، لايعني التقليل من كفاءة أبطاله أبداً، إنما والحق يقال فقد أصبح له شعبية كبيرة، ينتظره الكثير من الناس حتى خارج المملكة، لا بل سمعت أن هناك من يسجله، ليشاهده مرة أخرى، وأرجو أن يكون ذلك عن حسن نية، وما أكثر النوايا السيئة ضد بلادنا العزيزة مع كل أسف.. فعلى مستوى غير السعوديين، ولأن كل صاحب نعمة محسود أمثالنا، فقد جرى الاستهجان بالكثير من عاداتنا الاجتماعية، مع كل أسف وفي مقدمتها العادات الغذائية، حيث لم أجد مناصاً من الدفاع عن بلادي خارجها، بعد أن علمت أن هناك اعتقاداً شائعاً بأننا نطبخ أشياء لا نستطيع أن نأكلها، وقد فهمت ذلك شخصياً من بعض الناس، فلم أجد أمامي سوى أن أبرهن ذلك بأن اختلاف العادات والتقاليد والكرم الذي نتحلى به كان وراء مثل هذه العادات.. وهاهو طاش ما طاش يكرس مثل هذه العادات، ويعمل على تقديم حلقة أقل ما يمكن أن توصف به بأنها لاتُشرف بلادنا، فقد أظهر المسلسل هذا البلد العريق، كمجموعة تركض وراء بطونها، لتملأها فقط، بكل ما لذ وطاب، لدرجة أنها لم تستطع الصبر على نقص مخزون الرز في البلاد الذي كان لفترة قصيرة، قامت حكومتنا الرشيدة بتلافيه بسرعة، وهذا يحصل في كل بلاد العالم.. فأي أسفاف يحدث؟! كان يمكن أن تقدم هذه الحلقة بشكل آخر يضمن عدم لصق التهم بهذا المجتمع الطيب، وتصويره على أنه مجرد مستهلك فحسب، وأنه يغرق في شبر ماء، نتيجة نقص مادة غذائية لايستطيع أن يسلوا عنها وكأنها مادة مخدرة تعود عليها مدمن! ليسامح الله من كتب تلك القصة الأجتماعية \"السامة\" لكل ما هو جميل وعريق.. أخي الكاتب الأخوة الممثلين أخي المخرج، هناك مجتمعات لاتستغني عن مادة \"البرغل\" وهو أحد منتجات \"البر\" المعروفة.. وكذلك ما يدعى \"الفريكة\" وهي أيضاً من منتجات البر، وكذلك هناك من لايستطيع أن يستغني عن \"الخبز\" في فطوره، وفي غدائه وفي عشائه وكل يوم، وهناك من يأكل المعكرونة بالخبز، وهناك عادات لايمكن تصورها أبداً.. ولم يعملوا مسلسلات تعريهم أمام العالم، من أنهم شعب يموت إذا فقد تلك المواد، بل أنهم ينتجون مسلسلات، أقلها أنهم يظهرون حياتهم الاجتماعية على نحو جاد، فهاهو مسلسل \"باب الحارة\" الذي سيتحول إلى أسطورة، وربما امتدت حلقاته في يوم من الأيام لتنافس مسلسل طاش ما طاش، لايتورع عن تقديم كل ما هو جميل في الحياة الشامية الأصيلة من التحابب بين أفراد الحارة والأريحية ومثلها الشهامة، والدفاع عن حارتهم أمام الأعداء، لدرجة أن البعض، من بني جلدتهم، تسللت إليه الغيرة من أبطال هذا المسلسل، وانبرى يهاجمه، من منطلق أنه يقدح في عادات الناس اليوم، ويمجد الماضي بشكل يبعث على الحساسية منه، ولنا أن نتصور مثل هذا التفكير الذي اعتبره سطحياً، حيث لاتناقض بين أن يكون للعرب أمجاداً ماضية، ربما تقل عن عادات الوقت الحاضر، مما يدعو إلى شحذ الهمم لاسترجاع تلك العادة الطيبة.. ولا ننسى بهذا الصدد حلقة \"الحجر\" فبالرغم من أنها حلقة كوميدية جيدة، فأن مادتها هي بمثابة دس السم في العسل، حيث أخطر ما تناولته تلك الحلقة، أن يفكر أي ابن في قتل والده، حتى يظفر بسرعة في ما لديه من ملايين، فأي إسفاف بعد هذا الإسفاف، وكأنه ينقصنا جرائم، وليس هناك أي عذر البتة، من أن مثل هذه الجرائم قد بدأت في مجتمعنا مع كل أسف، أن يبادر أي مسلسل إلى التطرق إليها، لأن في ذلك تكريس لها، وصبغها بصبغة الواقع، الذي يمكن أن يحدث، ولا نريد هذه المدعوه \"يمكن\" لأنها تفتح باب الشيطان علينا، فنألف حالات حدوثها، وتكون معتادة، والعياذ بالله، ويمكن التطرق إليها ولكن بشكل بناء و\"حرفية فنية\" كأن تكون في حالة من الحلم، يفز بعده الممثل من النوم ويصلي ركعتين، استغفاراًً، ويذكر بل ويكرر أن ذلك من الشيطان الرجيم.. مثلاً، كحل فيما لو أصر الكاتب أو المخرج على الوصول إلى هذه النقطة، وهي التفكير في قتل الأب، وإلا هناك موضوعات كثيرة يمكن التطرق إليها، وليس هناك أي عذر نهائياً.. أو يمكن إلغاء تلك الفكرة من أساسها.. بل يجب إلغائها نهائياً.. أنه بعد استعراض تلك الحلقات الخمس، نجد أن أقلها تعاسة، الحلقة التي ناقش فيها موضوعات التعليم، مع وجود بعض التحفظات عليها.. أما حلقة المقالب، فهي من أسوأ الحلقات، وتنم عن خواء فكري عارم، فأي خبث هذا الذي يؤدي إلى مثل هذه المقالب الكيدية، التي لاتنم إلا عن هستيرية، ومع أنني لم أشاهد الحلقة التكميلية، حيث ذكر لي أبني أنه هناك بقية لاحقة، إلا أنني أهيب بهذا المسلسل، أن يُودَع صاحب هذه المقالب في نهاية الحلقة السجن، وأن يرى المشاهدين أنه قد سجن لأنه عمل مقالب في صديقه، أكثر من اللازم، حتى يكون عبرة لمن اعتبر، وبهذا يحقق المسلسل الموعظة الغير مباشرة، والفائدة المرتقبة منه كعنصر بناء وليس هدم، حيث يفترض أن تكون هناك مايعرف بالحبكة الدرامية المثيرة، ثم تتناقص، لتصبح موعظة فنية غير ملحوظة من المشاهد، فيتحقق الأجر لأصحاب هذا المسلسل في هذا الشهر الفضيل، إن كان ولا بد، حيث التسلية مع الفائدة على أقل تقدير.. وبالرغم من أن حلقات هذا المسلسل يفترض أنها كلها انتهي من تصويرها، إلا أنه يمكن تعديل بعض الأشياء، التي تثير في النشء الجديد بعض الانحرافات، وتلك التي تسىء إلى المجتمع، إما في داخل التصوير، وهذا ليس بالأمر العسير أبداً، على أي مخرج متمرس، من الناحية الفنية. أو إن كان ولابد، يقال في نهاية أي حلقة عليها تحفظات كما أسلفنا، أن هذا أمر مبالغ فيه وتصعيد كوميدي، فقط، من أجل الإضحاك فقط، وأنه ليس له جذور في مجتمعنا، سواء يقول ذلك الممثل بصوته، أو يكتفى بالكتابة على الشاشة بخط واضح في نهاية كل حلقة.. وأخيرا اعتذر لبطلي هذا المسلسل، إذا كان ولا بد من اعتذار من نوع ما، فلولا محبتنا لهم، وأهمية وشعبية هذا المسلسل، لما كتبنا عنهم. أخوكم إبراهيم بن عبد الرحمن الجوف- الخبر – ماجستير فلسفة – في الدراسات الإسلامية من لندن [email protected]