اعتبرت إسرائيل تسليمها أمس رفات فلسطينيين ممن قضوا في عمليات استشهادية سابقة بأنه بادرة لإعادة الثقة واستئناف مفاوضات السلام مع الجانب الفلسطيني دون شروط مسبقة. بيد أن ما اعتبرته تل أبيب بأنه مؤشر لنواياها الحسنة لا يعدو كونه إجراءً اعتياديًا كان يتوجب عليها القيام به منذ فترة طويلة، إذ لا يحق لها الاحتفاظ بجثامين أناس قضوا منذ تلك الفترة، فهكذا إجراء عدا أنه يعتبر انتهاكا لحرمة أولئك الشهداء بدفنهم بعيدًا عن ذويهم في مقابر ما يسمى بمقابر الأرقام يعني إنكارًا لهويتهم، ومن شأنه أيضًا أن يوقظ مشاعر الحزن والألم لدى ذويهم الذين سيعاودون دفنهم مع كل ما يصاحب ذلك من مشاعر الحزن والأسى. الثمن الذي تطالب به إسرائيل في المقابل، وهو استئناف المفاوضات يدعو إلى الدهشة، لأن هذه المقايضة تبدو بعيدة كل البعد عن أسس ومبادىء عملية السلام، إلى جانب أنها لا تمت بصلة لجوهر تلك العملية وأطرها العامة التي يأتي على رأسها وقف الاستيطان والتوقف عن الممارسات التي تمارسها على صعيد تغيير المعالم التاريخية والدينية لمدينة القدس بما يعتبر مخالفة صريحة لاتفاقية جنيف الرابعة وأيضًا للاتفاقيات المبرمة مع الفلسطينيين. مطالبة إسرائيل مقابل تلك الخطوة باستئناف المفاوضات في الوقت الذي تعلن فيه بشكل يومي عن توسعة استيطانية جديدة في القدس، فيما تزداد استفزازات المستوطنين والجيش للمشاعر الدينية للمقدسيين من خلال الاقتحامات اليومية لباحات المسجد الأقصى، إضافة إلى الاستمرار في الحفريات والأنفاق وبناء الكنس تحت المسجد وحوله، وحملات المصادرة والإبعاد والاعتقال وهدم البيوت، والاعتداء على مقابر المسلمين، وسرقة الآثار وتزييفها، هذا الثمن يدعو إلى السخرية، فالإفراج عن جثامين الفلسطينيين في قبور الأرقام أكد في حقيقة الأمر على السلوكيات الإسرائيلية الشائنة في التعامل مع الفلسطينيين لأنه أماط اللثام عن حقيقة أن حصار إسرائيل للشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع لا يشمل الأحياء فقط، بل أيضًا الأموات من الشهداء الذين تحتفظ بجثامينهم منذ عقود مضت، وهو ما يعتبر انتهاكا آخر لحقوق الشعب الفلسطيني، وبالتالي لا يعتبر الإفراج عن تلك الجثامين منة أو عطاءً يستحق أي مقابل.