عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم :أوصني، قال:(لا تغضب) فردد مراراً قال:( لا تغضب) رواه البخاري. فهذا الرجل طلب من النبي صلى الله عليه وسلم أن يوصيه وصية وجيزة جامعة لخصال الخير، فوصاه أن لا يغضب، فهذا يدل على أن الغضب جماع الشر، وأن التحرز منه جماع الخير، والغضب : هو غليان دم القلب طلبًا لدفع المؤذي عند خشية وقوعه، أو طلبًا للانتقام ممن حصل له منه الأذى بعد وقوعه، وينشأ من ذلك كثير من الأفعال المحرمة كالقتل والضرب وأنواع الظلم والعدوان، وكثير من الأقوال المحرمة كالقذف والسب والفحش، وربما ارتقى إلى درجة الكفر، وكالأيمان التي لا يجوز التزامها شرعًا، وكطلاق الزوجة الذي يعقب الندم.. وقوله: (لا تغضب) يحتمل أمرين: أحدهما: أن يكون مراده الأمر بالأسباب التي توجب حسن الخلق من الكرم والسخاء والحلم والحياء والتواضع والاحتمال وكف الأذى، والصفح والعفو، وكظم الغيظ، والطلاقة والبشر، ونحو ذلك من الأخلاق الجميلة، فإن النفس إذا تخلقت بهذه الأخلاق، وصارت لها عادة أوجب لها ذلك دفع الغضب عند حصول أسبابه. والثاني: أن يكون المراد ألا تعمل بمقتضى الغضب إذا حصل لك، فإن الغضب إذا ملكك كان كالآمر والناهي لك، فإذا لم يمتثل الإنسان ما يأمره به غضبه، وجاهد نفسه على ذلك، اندفع عنه شر الغضب، وربما سكن غضبه، وذهب عاجلا، فكأنه حينئذ لم يغضب، وإلى هذا المعنى وقعت الإشارة في القرآن بقوله عز وجل:(وإذا ما غضبوا هم يغفرون)، وبقوله عز وجل:(والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين). وكان النبي صلى الله عليه وسلم يأمر من غضب بتعاطي أسباب تدفع عنه الغضب، وتسكنه، ويمدح من ملك نفسه عند غضبه. ( ولبيانها مقام آخر بإذن الله).