سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
قراءة “سسيو- ثقافية” في كتاب “الاتحاااد” !
(الاتحاد) نص خالص يستحق الحب والعناء، لنردد مستسلمين لغواية المشهد: “كل يوم حبك (أشكل).. طلعتك أحلى (منظر) يا عميد النوادي”
(1).. وصلت بريدي رسالة مدهشة من صديق بعيد، هو د. خالد الحازمي (أستاذ علوم برمجة الحاسب الآلي) ترك فيها همومه العلمية والعملية (في الجامعة) وغرق في بحر (الأصفر.. نادي الاتحاد بجدة) يقول فيها ما نصه: «.. أحبوه لأنه الثمانيني العريق.. لأنه البدايات العظيمة.. لأنه الذي علم الناس في بلدي أن تلك القطعة الجلدية المدورة هي (كرة قدم) تسجلها في شباك الخصوم لتفوز!.. لأنه أول من أخبر بأن ثمة أشياء في عالم المستديرة تسمى (مدربا- لاعبا- حكما).. لأنه (الكرة) في بلدي باختصار.. لأنه النادي الوحيد الذي ظل محبوه يتبعون خطواته أكثر من ثمانين عامًا، من غير أن يعرفوا بأنفسهم (وليس عامًا أو عامين ثم يسمون أنفسهم بالعشاق).. أحبوه لأنه طعم الكرة ومتعتها.. ولأنه صاحب الأولويات في كل شيء.. أليس الاتحاد من حقق كل بطولات الموسم لعامين متتاليين، ثم تربع على عرش أكبر قارات الدنيا مرتين لم يكررهما أحد!.. أحبوه لأنه عندما يحضر يستفز (الأطيار) للتغريد، و(الطيران) للخفق والتلحين، والأصوات للغناء حد النشيج!.. أحبوه لأن عندما يلعب على أرض يقلبها مسرحًا من السحر المبين.. أحبوه لأنهم يعرفون أن حاديهم الذي ينشد: «جمالك غير يا الإتي».. لم يقل غير الحقيقة.. الحقيقة.. أحبوه لأنه الاتحاد.. الاتحاد»! (2).. بصراحة أعجبتني مفردات صاحبي وكثافة شعوره العاطفي، واستفزت أفكاري لإثارة سؤالي الدائم عندما يطري على بالي (الوله).. هذا الاتحاد: ما حقيقة هذا الكيان الذي سكن الأوردة والشرايين، وجعل مدرج لقائه مجمعًا لكل أطياف المجتمع.. تعليميين وأساتذة جامعات وأطباء ومهندسين؟ هل تذكرون د. عدنان جمجوم استشاري القلب الشهير -رحمه الله- عندما كان يعمل عملية قلب مفتوح في ظهر يوم أصفر، وفي العصر يحضر إلى النادي العريق عصرًا ليخضب القلوب المفتوحة للاتحاد بالورد والزعفران؟ أي طاقة جبارة في هذا الكيان (الرياضي) ليجمع كل تلك العقول لممارسة عشقا من القلوب!!.. دعونا نقرأ الاتحاد قراءة ثقافية سسيولوجية لعلنا نكتشف شيئًا من أطياف السر الدفين.. يمكن!! (3).. القراءة تبدأ من التعامل مع (الاتحاد) كنص/ رسالة تتكون عناصرها من (المرسل- النص- سياقاته التاريخية والاجتماعية- المرسل إليه).. أما المرسلون فهم الفاعلون في ذلك النص من إدارة ولاعبين.. وهم يتسمون بتعددية الأصوات.. فليس هناك صوت يهيمن على الأعضاء الآخرين.. ولذلك فإن الاتحاد هو النادي الوحيد الذي يمكن أن تحسب أرقامًا مرتفعة لأعضاء إداراته وشرفييه.. بعكس الأندية الأخرى التي لا يظهر بها إلا ثلاثة أصوات على أقصى تقدير (الاتحاد كمنظومة يستحضر مباشرة طلال بن منصور وحمزة فتيحي وعبدالمحسن آل الشيخ ومنصور البلوي وخالد بن فهد وطلعت لامي وحسن جمجوم وآل باناجة وأسعد عبدالكريم ومحمد بن داخل..)! إذًا فالمرسل في النص الاتحادي قوي ومتعدد وفاعل وحواري (حتى في الغياب الشكلي لأبرز هؤلاء الفاعلين.. منصور البلوي -مثالًا- المبتعد عن الرياضة هو الذي حسم أكثر أمور الاتحاد توترا ووجلا في وقته الراهن)! أما النص ذاته وهو (الاتحاد).. الفريق نفسه، فهو يتسم بالغرابة والخروج على المألوف دائما.. مفاجآت الاتحاد وأولوياته وانتكاساته عجيبة ولا يمكن أن يتنبأ بها أحد.. كما أن النص الاتحادي متحول في كل لحظة، قادر على استيعاب كل التأويلات والاحتمالات (أنام ملء جفوني عن شواردها *** ويسهر الخلق جراها ويختصم).. بدايات الاتحاد مدهشة، ونهاياته نوافذ مشرعة للسديم.. هل تصدقون إن قلت لكم إن تلك هي سمات النصوص الخالصة الخالدة؟.. ولقد تنبه لذلك النظارة من الإعلاميين والنقاد، لدرجة أن التوقيع مع لاعب ناشئ في الفريق خبر يتصدر (مانشيتات) الصفحات الرياضية على حساب أخبار البطولة الكبرى، وأخبار الكأس الضائع تطغى على تداعيات الكأس الموجود (بعد أيام)! أما عن سياقات النص الاتحادي التاريخية والاجتماعية.. فالاتحاد ينطلق من مرجعية تاريخية ممعنة في العراقة.. (ثمانية عقود ونصف).. كفيلة بأن تمنح ذلك النص المهابة والجلال، أما سياقاته الاجتماعية فهي زاخرة بالتعدد والتنوع وغياب هيمنة الصوت (الأوحد)، كما أنها مفعمة بثقافات متنوعة (لا أنسى الأطباء المشهورين ورجال الأعمال والمثقفين الذين ظهرت صورهم وقوفًا على المدرج الأصفر يهتفون لأحمد جميل عندما أطلق صيحته الشهيرة، وانطلق غاضبًا ليسجل ويحقق إحدى أهم البطولات)! .. بقي المرسل إليه في ذلك النص وهم مشجعوه عامة، وبالتأكيد فالجميع يعرف أنهم علامة فارقة أولى في تعاطي الوله والمؤازرة.. حتى أصبحوا نماذج للمحاكاة والتقليد من كل جماهير الأندية المحلية والعربية!! (4).. وبالتالي فإن (الاتحاد) نص خالص يستحق حقًا الحب والعناء والقراءة والتأويل، لنردد مستسلمين لغواية المشهد: «كل يوم حبك (أشكل).. طلعتك أحلى (منظر) يا عميد النوادي».. ! [email protected]