إمام المسلمين أو ولي الأمر هو رجل ولاَّه الله عليهم ليرعى شؤونهم وينهض بمصالحهم ويحفظ حقوقهم ويرفع الأذى عنهم، ولذلك فإن أي تصرف يقوم به إمام المسلمين يجب أن يصب في مصلحتهم، فالإمام بالنسبة للرعية بمثابة الأب لأولاده. ومن أدلة هذه القاعدة قول النبي صلى الله عليه وسلم: «كلكم راعٍ وكلكم مسؤول عن رعيته، الإمام راع ومسؤول عن رعيته، والرجل راع في أهله ومسؤول عن رعيته، والمرأة راعية في بيت زوجها ومسؤولة عن رعيتها، والعبد راع في مال سيده ومسؤول عن رعيته، ألا فكلكم راع ومسؤول عن رعيته» رواه البخاري ومسلم، والراعي هو الحافظ المؤتمن الملتزم صلاح مسؤولياته، فهو مطالب بالعدل فيها والقيام بمصالحها في الدين والدنيا. ومصالح الرعية التي يجب على إمام المسلمين رعايتها تتلخص في عدة أمور: منها حفظ الدين على الرعية، فإن ظهر ضال أو زائغ أوضح له الحجة وبين له الصواب، وأخذه بما يلزمه من الحقوق والحدود، ومنها نشر الأمن؛ ليتصرف الناس في معايشهم وينتشروا في أسفارهم آمنين على أنفسهم وأعراضهم وأموالهم، ومنها حفظ حقوق الرعية وإقامة العدل بينهم، ومنها تعيين الأكفاء والنصحاء على شؤون الرعية والابتعاد عن المحاباة والمجاملة في اختيارهم وانتقائهم؛ ومنها أن يباشر بنفسه الإشراف على شؤون الرعية ومصالحهم، ولا يكتفي بالتفويض والإنابة حتى لو كان مشغولا بالطاعات فضلا عن الاشتغال بالملذات. والتفريط في هذه الأمور كبيرة من كبائر الذنوب وغش للرعية، وقد توعد النبي صلى الله عليه وسلم أولئك الولاة بقوله: «ما من عبد يسترعيه الله رعية، يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته، إلا حرم الله عليه الجنة»، وقوله: «ما من أمير يلي أمر المسلمين، ثم لا يجهد لهم وينصح، إلا لم يدخل معهم الجنة» رواهما مسلم. ونقل النووي عن القاضي عياض رحمهما الله قوله: «معناه بيِّنٌ في التحذير من غش المسلمين لمن قلده الله تعالى شيئا من أمرهم، واسترعاه عليهم، ونصبه لمصلحتهم في دينهم أو دنياهم، فإذا خان فيما اؤتمن عليه، فلم ينصح فيما قلده، إما بتضييعه تعريفهم ما يلزمهم من دينهم وأخذهم به، وإما بالقيام بما يتعين عليه من حفظ شرائعهم والذب عنها لكل متصد لإدخال داخلة فيها أو تحريف لمعانيها، أو إهمال حدودهم أو تضييع حقوقهم أو ترك حماية حوزتهم ومجاهدة عدوهم أو ترك سيرة العدل فيهم، فقد غشهم».