مرت سنين العمر وأنا بقربك، مرت وكنتِ منبع الحب والحنان، والملجأ إذا ضاقت عليّ الدنيا، كان دعاؤك مصدر قوتي، وكان بيتكِ جنتي. ومر قطار العمر بكل مراحله، وكانت الغربة أهم وأطول محطاته، وأجمل ما كان في الغربة قربي منكِ. آهٍ ... ما أجملها من أيام..!! مرت السنين ولم أكن أعلم إنها كانت تخبئ لي أسوأ ما فيها حتى جاء عام 2011م. كنت تشتكين من المرض، وعلى استحياء تبلغينني بالألم حتى لا تخيفيني، وحينها انتابني الخوف عليكِ حتى الجنون.. كنتُ أسابق الزمان، والخوف والتوتر والهلع يرافقني طيلة العام. سباق مزعج و مؤلم . أمّاه.. كنتُ أتمنى أن يقف الزمان، فقد كنت أركض في كل أرجاء الدنيا لم أترك مكاناً أو طبيباً.. لعلّي أستطيع أن ألقى من يداويكِ.. كنتُ أتمنى أن ما أصابكِ قد أصابني، كنتُ أتمنى أن أستطيع مساعدتكِ.. حاولت وحاولت وحاولت ولكن لم أستطع..!! آهٍ... ما أصعبها من أيام وشهور..!! أمّاه.. مرت الأيام وانتهى العام وكنتُ في قمة النشوة، أن الكابوس قد ذهب، واعتقدتُ أن عام 2011م هو الأصعب، ولم أكن أعلم أن الأصعب لم يكن قد وصل..! وفي ثاني شهور العام الجديد.. يوم الاثنين في الساعة الثانية بعد الظهر شاء القدر أن أكون أنا وأنتِ لوحدنا في غرفة اكتظت بالأجهزة.. وكنت وقتها أذكّرك بما اتفقنا عليه، بألا تستسلمي للمرض، وأن أستمر في البحث عن العلاج والوسيلة وان لا أتخلى عنك مهما كانت الظروف ... كيف أتخلى عن روحي وعقلي وقلبي كيف أتخلى عنك أيتها الغالية! وكنتُ أتحدث وأنت صامتة.. لا تردين عليَّ والدموع قد أحرقت قلبي قبل أن تكوي وجناتي.. وأمسكتِ يدي دون أن تكلميني، وبعد حديث طويل من طرف واحدٍ، غادرتُ وأنا لا أعرف ماذا أفعل..! أعلمُ أني أريدك وأحتاجك، وأتمنى أن أساعدك، ولكن لأول مرة أحس بالعجز وقلة الحيلة.. وقتها تذكرت أمنيتي منذ كنت طفلاً أن أموت قبل أن تموتي.. آه ما أصعبها من لحظة.. يا الغالية.. كان موعد آخر محطات العمر الساعة السابعة والنصف مساء من نفس اليوم.. رحلتِ وتركتِني.. و حينها انتصر الزمن والقدر.... أمّاه.... ليتكِ لم ترحلي ولم تتركيني.. أمّاه.... ليتكِ ضممتِني وودعتِني قبل رحيلكِ.. أمّاه.... لقد كانت الغربة بوجودكِ عنوان محطة....وبعد رحيلكِ أصبحتْ الحياة غربة.. أمّاه.... أخذتِ معك ما تبقى من سنين عمري.. أمّاه.... آهاتك مازال صداها يرنُّ في أذني.. أمّاه.... دعوتُكِ الأخيرة لي.. أخفيها في قلبي، أخاف أن يسرقوها مني.. فهي كل ما تبقَّى لي منكِ. أمّاه.... حتى بيتك (جنَّتي) لم أستطع دخوله بعدكِ. وقلبي يشتعل حزناً وشوقاً على أن أرى مكان جلوسكِ و غرفة نومكِ وأشم رائحة عطركِ وأمسك سبحتكِ وأصلِّي على سجادتكِ أمّاه.... لقد "رفرف القلب بجنبي كالذبيح" فأجاب الدمع والصدر الجريح! أمّاه.... ستبقين طوال الحياة في قلبي كما كنتِ دوماً في العيون ممجدة. أمّاه.... لقد لف الحزن من حولي رداءه.. وأرخى سواد سدوله.. والفكر مني في شتات ما بين الذكرى والممات.. أمّاه.... بكيتك.. وبكتك الناس والديار والجبال! أماه ....لم يبقَ الّا الوداع على أن نلتقي عند رب العباد قريباً إن شاء الله اللهم لا تحرمنا أجرها ولا تفتنّا بعدها و اغفر لها و اجمعني معها في جنات النعيم يا رب العالمين . اللهم أنزل علينا الصبر والسلوان و أرضنا بقضائك. يا ربُّ ... يارب ...ارحم أمي الغالية.