العنوان مقتبس من شطر بيت شعر لمعروف الرصافي الشاعر العراقي العريق أحببت الاستعانة به للحديث عن واقع الأمة العربية في هذه المرحلة الصعبة وما يدور في مجتمعاتها من تنازع حول السلطة سعياً وراء العدل الذي أصبح كالسراب كلما اقتَرَبَت منه ابتَعَدَ عَنهَا. يقول الشاعر العراقي: اقرءوا تاريخكم واحتفظوا بفصيح جاءكم من فصحاء وخذوا العلم على أعلامه واطلبوا الحكمة عند الحكماء باطن الأمة من ظاهرها إنما السائل من لون الإناء في هذه الأبيات الثلاثة التي كانت من ضمن مقرراتنا الدراسية -قبل خمسين عاماً تقريباً- حفظتها ولم أنسها، وقد عدت إليها في حالة تأمُّل فيما يحيط بالأمة العربية في هذه المرحلة المضطربة، والتي غابت فيها الحكمة والحكماء.. وغاب فيها الحس التاريخي.. ولم يبقَ طافياً على السطح إلا الألم الذي يُذكِّرنا بأن السائل من لون الإناء.. وإن ما يظهر على السطح من السلوك السياسي وقلة العدل متأصِّل في بواطن البعض في الأمة العربية. قد لا يكون الشاعر قصد ما يخيل لي في هذه اللحظة وأنا أعيش المشهد البليد الذي حل بالوطن العربي حيث أصبح القتل والإجرام والتجني على كل ما هو مشرق في تاريخ الأمة ليعكس صورة قاتمة لأشباح تتحرك لا حس إنساني لها ولا حكمة تردعها عن تصرفاتها التائهة. لقد طال الأمد على تصارع الحق والباطل على أرض العروبة من الماء إلى الماء بعد أن فقدت كل مدها في عصر الازدهار إلى ما وراء البحار وانحسرت وحجمت تطلعاتها على أيدي أبنائها مع الأسف وأصبحت تلسع بسياط جلاديها من الداخل والخارج وبتعاقب الأجيال وكأنها لم تقرأ ولم تتعظ من تراثها كما قال الرصافي ولم تحتفظ بفصيح الكلم ولم تتعظ بما قاله حكماؤها الأقدمين أيضاً ولم يبلغها الحذر بأن باطن الأمة من ظاهرها إن خيراً فخير وإن شراً فشر. في السبعينيات من القرن الماضي كانت الحرب الأهلية في لبنان وتمنى الكثيرون أن تكون آخر الدروس الدامية وبعد ذلك بعقد ونصف من الزمن تقريباً.. أتت حرب الجزائر الأهلية البشعة التي كلها عار على كل من كان له يد فيها.. وانتهى القرن العشرين الميلادي وبدأت الألفية الثالثة بما حل بالعراق -أرض الرافدين- وأهلها ولا شئ يخفى في زمن العولمة من بشاعة التدمير والإهانات والتمزق الذي أفرزته تلك المأساة.. وقبل عام فرحت الأمة قليلاً على عرض الساحة العربية بداية بتونس ومصر وليبيا واليمن حتى وصل العد إلى بلاد الشام التي تتبارى فيها الأطراف المتصارعة حاليا في القتل والتدمير. في البداية بلغ مدى الفرح أن ما حصل احتفل به ونعتَ بالربيع العربي بهجة وسروراً ببوادر التغيير الإيجابي الذي يلم جراح الأمة ويُعيد لها مكانتها وآمالها وأحلامها الوردية بين الأمم ولازال الأمل كبير ولكن الأفراح تمر بمعوقات صعبة تغيب عنها الحكمة والاتعاظ بالتاريخ وانتصاراته العظيمة، وكأن قيد الحفر يلازمها في الطريق إلى قمم المجد والعزة والكرامة أسوة بغيرها من الأمم المعاصرة. ان من يقرأ بيت الشعر للرصافي (باطن الأمة من ظاهرها... إنما السائل من لون الإناء).. وهو يعلم ما حصل في الماضي ويرى ما يحصل في الحاضر، لا يملك إلا أن يقر بأن ظاهر الأمة من باطنها كما ورد في شعر ابن الرافدين في القرن الماضي ولا أحد يعلم إلى أين نحن ذاهبون!!! وخاتمة القول: (إن الله لايغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). (سورة الرعد آية 11).. والله المستعان. [email protected]