في السياق التوفيقي للآراء المتعارضة في الديمقراطية، نقول: تختلف الدول من حيث أنماطها السياسية، ومصادرها التشريعية، وعند قياسها بالديمقراطية، تنتج معنا أربعة أضرب: الأول: دول ذات نظام ديمقراطي قائم. فهذه قد لا يختلف فيها القول بجواز المشاركة، وقد أفتى بذلك أئمة معروفون ك ابن باز وابن عثيمين، لهم رأي في تحريم الديمقراطية، أفتوا للضرورة استثناء، وهذا حكم شرعي خالص، العامل به ممن يحرم الديمقراطية لا يعدّ متناقضا، ولا مبدلا لمبادئه ومواقفه، ففي منعه كان يتبع الأصل، وفي تجويزه ومشاركته كان يتبع الاستثناء. الثاني: مقابل للأول؛ دول ذات حكم فردي، لكنه مثاليّ - في معنى المدينة الفاضلة في أدبيات الفارابي، والمثل عند أفلاطون، أو كالصدر الأول - محقق للعدل، فما حاجتها إلى الديمقراطية إذن؟. فالحاضر مضمون، والغائب مظنون. الثالث: بينهما؛ النظام فيها فردي علماني، وفيه آفة الفساد منتشرة، فطرح الديمقراطية بديلا في هذه البيئة معقول، إذا تعذّرت وسائل الإصلاح البديلة المتفقة مع الشريعة؛ لأن من مقاصد الشريعة تخفيف المفسدة، ونظام ديمقراطي أحسن من حكم فردي «فاسد». الرابع: بينهما كذلك؛ هو حكم فردي، وفيه فساد لا ينكره أحد، إلا أنه يمتاز بخاصيتين: الأول: مصدره الوحيد في التشريع هو: الشريعة على مذهب السلف الصالح. الثاني: أنه جمع أشتاتا، وألّف بين أعراق وطوائف وجهات ومناطق. في هذه الأحوال طرح الديمقراطية حكما بديلا خطر كامن؛ يعني ضرورة تهديد هاتين الخاصيتين، ربما بالتغيير الكلي والجذري، يضاف إليهما: أن الديمقراطية كبديل لا يحمل معه الضمانات لمنع الفساد المالي والإداري والحقوقي؛ ونحن نرى في الثورات العربية إرهاصات تؤكد هذا التخوف، وفي تاريخ الثورات أخبار مشؤومة في هذا الصدد، فإنها لم تغيّر واقعا، بل زادت سوءا، كالثورة الروسية أتت بالبلاشفة، والثورة الفرنسية احتاجت أكثر من نصف قرن حتى تحدث التغيّر الملموس. فنحن أمام منحنى، فالديمقراطية تفتح طريقا للمشاركة، والمعارضة، والمحاسبة. نعم، لكن الأطراف المنتفعة محصنة ومستعدة دائما، وهي تجيد الخداع والتحايل، وتدرك خفايا العمل السياسي، وإلى أن تستفيق الجموع وتدرك وتتمرّس على المقاومة، تتفاقم الأوضاع سوءا، ثم لا أحد يعلم ما حقق وما خسر. هذه الموازنات، والمقارنات، والترجيحات لا بد منها، وإذا قيل: فما البديل إذن؟. فالجواب: علامة تعجب واستفهام كبرى؟!، كيف يطرح هذا التساؤل من القرآن بين يديه والسنة طوع أمره، وهل يعقل أو يقبل أن يظن أن هذا الوحي - الذي نزل وفيه جواب لكل شيء، والنبي الذي علّمنا حتى ما لا يخطر ببال - ترك قضية كبرى، تتعلق بمصير الأمة أجمع، دون جواب مفصل شافٍ؟!. (ونزّلنا عليك الكتاب تبيانًا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين).