* تجمعات لطلاب جامعة الملك خالد ثم لطالباتها ثم طالبات طيبة، وأماكن أخرى.. وطالت هذه التجمعات بعض موظفي الإدارات وحتى بعض الشركات ومؤسسات القطاع الخاص. * وبدءاً فإن قضية (التجمعات) قد لا تكون سلوكاً مقبولاً على اعتبار أن المطالب لها مساراتها الإجرائية التي يجب أن تسلكها، ولكن في الحقيقة لابد من التأكيد ومن خلال متابعة لحقيقة ما يحدث، فإن تلك التجمعات لم تكن تصل لا من قريب ولا من بعيد إلى قضية (الانتماء والولاء). فهذه خط أحمر لا يجب المساس به، وأوّل من يُؤكِّد ذلك هم المُتجمّعون أنفسهم، فهم حين يُنادون بمطالبهم لا يقبلون أن يزايد أحد على وطنيتهم، حتى ولو حاول البعض استغلال مثل هذه الأحداث لتوظيفها على غير حقيقتها. * أقول: (التجمّعات) غير مقبولة، ولكن لابد أن نقف عند مسبباتها، ولا نجعلها تمر مرور الكرام، فقبل أن نلوم المتجمّعين؛ علينا قبلاً أن نسأل: لماذا تجمّعوا، ولماذا سلكوا مثل هذا المسلك. * وقبل أن نجيب على هذا التساؤل دعونا نشيد أولاً بأسلوب المعالجة التي واجه بها المسؤولون -وبالذات أمراء المناطق- مثل هذه الأفعال، فهم لم يتعاملوا بأسلوب العصا مع المطالبين، وأظهروا أسلوب الجزرة إزاء المطالب، وهذه معالجة متّزنة تُحسب للمسؤولين في التعامل مع هكذا موقف. * الاجتماع بالطلاب والطالبات وسماع شكاواهم ليس انتصاراً لفعل هؤلاء بقدر ما هو تحقيق لما يجب أن يكون، وهذا هو منطق الحكمة والعقل الذي تصرّف على ضوئه المسؤول. * لكن من الجانب الآخر علينا أن نقف على عدد من التداعيات، يجب أن تكون محط أنظارنا ونحن نتناول مثل هذا الموضوع، وأهمها في نظري جانبان أساسيان، أولهما: انغلاق المسؤول على نفسه، فهذا المسؤول أصبح مُتّهماً بمكتبه المُغلق، ويتعامل بروتينية باردة جداً مع كتلة بشرية جاء أصلاً لخدمتها، وبدلاً من أن يترك هذا المسؤول المُنغلق كُرسيه الوثير ويخرج إلى الناس ويتفقد أحوالهم ويرعى مصالحهم، فضّل الانكفاء داخل مكتبه. وكأن هذا المكتب ستطير به الرياح. * وبعض مسؤولينا (تدوخ السبع دوخات) حتى تصل إليه، فبابه دائماً مغلق وسيادته كل أوقاته مشغول بدواعي الاجتماعات وما هو (فاضي يقابل أحد). وعندما تجد سبيلاً إلى هذا المسؤول؛ فإنك قد تُحبط، والمُحبط أحياناً يخرج في تعبيره عن مطالبه للحد الذي قد يفقده السيطرة على أعصابه!. * والمثير تصرفات بعض المسؤولين المباشرين المعنيين تجاه هذه التجمّعات، فحين يقع (الفأس في الرأس) يخرج سيادته من قمقمه ويحاول التهدئة بقوله: (أبشروا سنُحقِّق كل مطالبكم).. يا سلام.. الآن تقول: أبشروا، أين كان سيادتك قبل هذا..؟! * إن مثل هذا المسؤول لا يجب أن نُصفِّق له لأنه حاول جاهداً امتصاص غضب طلابه، بل يجب أن نُحاسبه أولاً لماذا حدث هذا وأين كان عنه؟!. * وقد أعجبتني ردّة الفعل الرائعة من ولي الأمر وهو يقيل أحد مسؤولي جامعاتنا ويولّي مكانه آخر، فلابد من الحساب، مثل ما هو مهم المعالجة. * وثاني تلك التداعيات تتعلق بأساليبنا الإجرائية في التعامل مع الشكاوي، فحين يشتكي أحد إلى مسؤولٍ أعلى؛ يردّها للمسؤول سبب الشكوى (للإفادة)، وطبعاً صاحبنا الأخير يُلمِّع ويُنمِّق الحقائق كما يُريدها هو، المهم أن يخرج في النهاية ذلك (المجتهد البريء) وكأنّك (يا أبوزيد ما غزيت). * وفي نظري فإن مثل هذا التعاطي مع الشكاوي لم يعد مجدياً، خصوصاً في زمن مكافحة الفساد، وتصاعد وتيرة المطالب والشكاوي، فلابد من التوجّه إلى تقصي الحقائق بعيداً عن (أفيدونا). * لابد أن يكون هناك آلية ناجعة للتأكد والتثبت من الحقائق تتبعها معالجة فورية للشكاوي بما يقتضيه الحال. * (الروتينية) قاتلة وبعض المُطالبين ملّوا مطالبهم بسببها. * الوضع لا يحتمل كل هذا التسويف، وهذا الاستنزاف الورقي والمراجعات والمطالبات، وعلينا أن نجد طرقاً أخرى للحلول، فيكفي صاحب المعاناة همّ معاناته، حتى لا نبتليه بهمٍّ آخر. * أعود فأقول: إن القضاء على التجمعات ليس بالتسكيت ولا بالاستجابة إلى الأصوات عند أطرافها الأخيرة، بل يجب أن تكون حلولنا حاضرة منذ البداية. وهذا لا يتأتى إلا بأبواب مفتوحة للمسؤولين على كامل مصراعيها ومنفتحة على كافة اتجاهاتها، نستقبل هذا ونسمع ذاك. ثم نخرج للناس في أماكنهم، نتفقد ونسأل ونستمع ونستجيب. * أما ما ليس بآخر، بأن نلغي هذا الحاجز الخرساني ما بين المسؤول ومراجعيه. نحاول أن نقضي على أكوام الأوراق بخطى نسبقهم إليها وبخطوات نتقدم بها نحوهم. * وثقوا لو وجد مراجع باباً مفتوحاً وقلباً أكثر انفتاحاً وأذنا سمّاعة ولساناً محاوراً مقنعاً فإن المراجع سيكون أكثر سروراً بالتعامل؛ حتى وإن لم تتحقق مطالبه. * سياسة العصا وحدها التي استخدمتها بعض جامعاتنا ولّى زمانها، ولم تكن مناسبة أبداً لهذا الزمن، ولابد من الجزرة التي تكفل (المرونة) و(الليونة) بين الطرفين. * هذا ما يفعله الكبار، فلماذا يقف دونه بعض المسؤولين؟!.